حلمك يا شيخ حسان - ابراهيم عرفات - بوابة الشروق
الجمعة 27 سبتمبر 2024 8:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلمك يا شيخ حسان

نشر فى : الثلاثاء 21 فبراير 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 فبراير 2012 - 9:15 ص

أعادتنى مبادرة الاستغناء عن المعونة الأمريكية التى أطلقها الشيخ محمد حسان اثنتين وثلاثين سنة للوراء. ليس لحساب ما تلقته مصر من مساعدات أمريكية طيلة هذه الفترة وإنما إلى ذكريات قديمة لا تزال عالقة فى ذهنى عن صاحب المبادرة. ففى أكتوبر من عام 1980 التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة قادما من مدينة المنصورة. وجرى توزيعى للسكن فى المبنى رقم «9» بالمدينة الجامعية برفقة طالبين آخرين فى غرفة واحدة كانا يبدآن الدراسة مثلى ولكن فى كلية الإعلام. واحدٌ منهما هو اليوم فضيلة الشيخ محمد حسان. قضينا نحو شهرين معا فى نفس الغرفة. ولما سنحت الفرصة لى للانتقال إلى غرفة مفردة فى نفس المبنى كانت الصلوات تجمعنا وكنت استمتع مثل عشرات غيرى ونحن نصلى خلفه وهو يتلو القرآن الكريم بأعذب ما تكون التلاوة ثم وهو يلقى أحيانا دروسا قصيرة لاحظت باستمرار أنها تبعد عن الجدل وتركز على الحكمة. وكان الوقت فى مصر فى حينه يتجه إلى التوتر. كان القدر يخبئ أن الرئيس السادات سيقتل بعد عام. ومن المعروف أن الجامعة والمدينة الجامعية وقتها كان فيهما نشاط لجماعات إسلامية متطرفة. ولفت انتباهى فى صديقى الخلوق أنه متدين جدا ومسالم جدا. وهى ما ظننت وما زلت أظن العلاقة السليمة التى تربط الإنسان بالدين. فالمتدين الحق لا يمكن أن يتطرف.


وكأى صديقين كنا نتكلم فيما يأخذنا النقاش إليه. وما زلت أذكر أن صديق الأمس قرر وهو لايزال فى بداية دراسته الجامعية أن يتفرغ للدعوة فور أن يتخرج فى كلية الإعلام. وهو ما فعله وسار فى طريقه منذ 1984 إلى اليوم. ولمست من كلامه فى إحدى المناقشات أن هناك خطين يحددان ما يقوله ويفعله أو حتى يفكر فيه وهو يتهيأ لكى يصبح واحدا من أبرز الدعاة. الخط الأول أن الدعــــوة لا تكـــــــون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة. والخط الثانى أن تؤسس الدعوة على قواعد العلم. ليس فقط العلم الدينى وإنما أيضا العلــــــم الدنيوى لأن الداعية يضـــر بدعوته إن انعزل عن محيطه الدنيوى أو أسسها على غير قواعد البحث والاستقصاء. وأذكرهــــــــا له ولا أنساهــــــا جملة قصيــــرة لكنها دقيقة تقول «العلم طريق الحلم».

 

•••

 

تذكرت هذا وغيره وأنا أتابع مبادرة «المعونة المصرية» التى طرحها فضيلته قبل أيام للاستغناء عن المعونة الأمريكية. ولا يمكن أن يختلف عاقلان فى أى بلد حريص على استقلاله على أن المساعدات الأجنبية تأتى ومعها شروط بل هموم ومصائب، أو على أن الاعتماد على النفس مهما كان مرهقا أفضل من استجداء الآخرين حتى لو كان بابه مفتوحا. لكن ما يمكن أن يختلف عليه العقلاء، بل يجب أن يختلفوا عليه، هو تقييم نتائج مبادرة بهذا الحجم الكبير كتلك التى طرحها الشيخ حسان. فالاختلاف هنا ليس فقط رحمة بل ومنجاة من الوقوع فى مشكلات أكبر. فماذا لو لم تسفر هذه المبادرة الكريمة مثلا عن جمع المبلغ المطلوب؟ وماذا لو تم جمعه لسنة ثم عجزت المبادرة عن جمعه فى السنة أو السنوات التالية؟ ولماذا اقترحت هذه المبادرة أولا قبل أخرى لا تقل عنها أهمية تدعو الحكومة إلى هيكلة الصناديق الخاصة ومراجعة سياساتها الضريبية حيال الأغنياء قبل أن تسأل فقراء المجتمع بالتبرع؟ ثم ماذا عن التداعيات الخارجية لهذه المبادرة وفى هذا التوقيت بالذات؟ وأى رسالة ترسلها؟ وهل يمكن أن يترتب عليها بينما الوطن فى حالة ضعف وسيولة تداعيات ما كان يجب استعجال مواجهتها؟ وأسئلة أخرى كثيرة كان حرى التفكير فيها قبل تحويل الفكرة إلى مبادرة أرى أن التجييش لها يجرى ربما بأسرع من اللازم.

 

وشأنى شأن ملايين المصريين أتمنى أن تستغنى مصر تماما عن كل أشكال المساعدات الأجنبية بل وأتطلع إلى اليوم الذى تتحول فيه مصر من دولة متلقية للمساعدات إلى دولة مانحة لها. لكننى كنت أتمنى وبمنهج الشيخ حسان نفسه أن نجعل العلم طريقنا للحلم وأن نبدأ بالاستقصاء الدقيق للبيانات وأن نعود إلى أهل الرأى والاختصاص ليقدموا لنا كل البدائل وليقيموا الفكرة قبل إطلاقها فى مبادرة بهذا الحجم. ولو كانت الأمور فى العلاقات الدولية تجرى وفق المبادئ العامة لهان الأمر. لكن التفاصيل كثيرة ولابد أن تدرس بمنتهى العناية ليس لكى ننبطح فنستمر فى تلقى المعونة وإنما لنعرف متى وكيف نوقفها.

 

•••

 

ولهذا أقول كصديق قديم لأخ وداعية كريم «حلمك يا شيخ حسان». تذكر جملتك الجميلة قبل اثنتين وثلاثين سنة «العلم طريق الحلم». فلتعد إلى أهل العلم ولترد المبادرة إلى أصحاب الرأى والاختصاص من ثقاة الباحثين فى الشئون الإستراتيجية والمالية ليدرسوها ويقيموها ويحصنوها إن أجازوها. فهذا أولى وأجدى بداعية كريم حتى لا تخذل تقلبات الواقع ومراوغاته فكرة طيبة طرحها. وهو أجدى أكثر لبلدنا حتى نجنبه وهو يبحر وسط أنواء جسام مخاطر قد لا نراها إذا ما فكرنا بالعاطفة لكن أهل العلم يعرفونها وعليهم التنبيه إليها. والخلاف أبدا ليس على الفكرة. فمن منا يكره أن يكون مستقلا؟ وإنما الاختلاف فى الرأى على إسناد الفكرة وهل تكون المبادرة مجرد رد فعل لأزمة بين بلدين أم جزء من إستراتيجية متكاملة ومدروسة. العلم كما قلت يا شيخنا الجليل لصديقك القديم هو الطريق إلى الحلم. ولهذا أرجوك أن تضع مبادرتك من جديد فى يد أهل العلم، ولن يخذلوك.

ابراهيم عرفات أستاذ العلوم السياسية في جامعتي قطر والقاهرة
التعليقات