الولايات المتحدة والحروب الصغيرة - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الولايات المتحدة والحروب الصغيرة

نشر فى : السبت 21 مارس 2009 - 7:06 م | آخر تحديث : السبت 21 مارس 2009 - 7:06 م

 أعدت إدارة بوش فى أكتوبر الماضى تقريرا مختصرا لمساعدى باراك أوباما وجون ماكين حول تدهور الوضع فى أفغانستان. وكان أحد المستشارين الخبراء هو ديفيد كيلكولن الخبير الاسترالى المتمرس فى مكافحة التمرد الذى كان واحدا من مخططى زيادة القوات العسكرية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية فى العراق.

ويعود كيلكولن بذاكرته قليلا، حيث يقول: «لقد قلنا إن الوضع شديد الصعوبة فى أفغانستان، حيث تتزامن الأزمة الأمنية مع الأزمة السياسية فى الوقت نفسه». ولقد تحدث أوباما فى الحملة الانتخابية كما لو كانت مشكلات أفغانستان يمكن أن تحل من خلال قوات عسكرية إضافية. وكان التقرير المختصر بمثابة صيحة تنبيه إلى أن الرئيس القادم سوف يواجه بعض القرارات السياسية العسيرة. ويعمل الرئيس أوباما الآن فى المراحل النهائية من مراجعة إستراتيجيته فى أفغانستان وباكستان. وفى الوقت نفسه، نشر كيلكولن كتابا يتضمن خلاصة للنصائح التى قدمها للبيت الأبيض (سواء إلى بوش أو أوباما أو لكليهما) وأيضا إلى الجنرال ديفيد بتريوس القائد العام للقوات.

يعرض كتاب The Accidental Guerella (مقاتلو حرب عصابات بالصدفة) أكثر خرائط الطريق وضوحا فيما يتعلق بالتقدم فى أفغانستان. تقدم خيارات أوباما السياسية فى أفغانستان دائما مصطلحات صارمة؛ سواء فى تصريحه حول تصعيد كبير جديد يتجاوز الزيادة التى أقرها بالفعل فى القوات العسكرية بمقدار سبعة عشر ألف جندى، أو حديثه عن جدول لتراجع الحملة إلى حدود مساعى متواضعة تنحصر فى مكافحة الإرهاب، وتهدف إلى منع القاعدة من شن اعتداءات. ويطرح كيلكولن أن كلا الخيارين المتطرفين يمثل خطأ. «فالتوسع فى حجم التصعيد الآن سيكون قمة فى الحمق» حيث يسود فى هذا الوقت المناخ السياسى الغامض فى أفغانستان وباكستان المجاورة. ولذلك علينا استخدام السبعة عشر ألف جندى الإضافيين فى القوات لتثبيت الوضع، ولكن علينا كذلك إرجاء القرار الكبير حول التصعيد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية فى أغسطس.

يفهم كيلكولن المزج بين العوامل السياسية والعسكرية التى تؤثر على الحروب فى العراق وأفغانستان. ورغم أن كيلكولن صنع اسمه كخبير استراتيجى لزيادة قوات بتريوس، إلا إنه حريص تماما بالفعل فيما يتعلق باستخدام القوات العسكرية لمكافحة المقاتلين الإسلاميين. وطرح فى الكتاب أن غزو بوش للعراق عام 2003 كان «خطأ استراتيجيا شديد الخطورة»، ولذلك فعلى الولايات المتحدة أن تتجنب مثل هذه التدخلات كلما كان ذلك ممكنا. ويرجع السبب فى ذلك ببساطة إلى أن التكاليف مرتفعة والمكاسب غير مؤكدة». ولكن طالما أننا بدأنا، فلا توجد طريقة سهلة لإنهاء الأمر.

وتتمثل المشكلة فى هذه الحروب الصغيرة فى أن القوات العسكرية للولايات المتحدة تخلق ردود الفعل التى تشعل مزيدا من العنف. ونجد فى عنوان الكتاب الذى وضعه كيلكولن تعبيرا عن هذه المشكلة المحيرة، « مقاتلو حرب عصابات بالصدفة «. فهو يرى أن غالبية الناس الذىن انتهى بنا الأمر إلى قتالهم فى العراق وأفغانستان لم تكن البداية بالنسبة لهم أن هناك ما يجعلهم يحملون على الولايات المتحدة بشكل أساسى. لقد انجروا إلى الحرب بالصدفة تقريبا، حيث كان ذلك رد فعل منهم إزاء الجهود الأمريكية للقضاء على القاعدة والخصوم الآخرين من المسلمين.

يعرض كيلكولن نموذجا من أربع مراحل لتوضيح تحول مؤيدى طالبان إلى متشددين فى أفغانستان. تبدأ العملية من خلال «الإصابة» حيث تؤسس القاعدة حضورا لها؛ وتأتى الخطوة الثانية فى صورة «عدوى» حيث تستخدم القاعدة ملجأها الآمن لتصعيد الهجمات؛ ويتبع ذلك «التدخل» من قبل الولايات المتحدة للقضاء على معقل القاعدة وأنصارها من طالبان؛ ويسفر ذلك عن «رفض» حيث يتحالف السكان المحليين مع القاعدة وطالبان ضد الغزاة الأجانب.

ويعتبر ذلك أمرا مكلفا بالنسبة لأمريكا وهزيمة تمارسها على نفسها ــ وهو ما تبتغيه القاعدة بالضبط. ويستشهد كيلكولن بفقرة من تصريح لأسامة بن لادن عام 2004 يقول فيها «كل ما علينا فعله هو إرسال اثنين من مجاهدينا إلى أبعد نقطة فى الشرق ليرفعا قطعة من القماش مكتوبة عليها القاعدة، حتى نجعل جنرالات الولايات المتحدة يتسابقون إلى هناك فنحقق لأمريكا خسائر بشرية واقتصادية وسياسية.. وهكذا نواصل تلك السياسة لاستنزاف أمريكا حتى نقطة الإفلاس».

ويطرح كيلكولن أن إدارة أوباما بإمكانها تثبيت الوضع فى أفغانستان مستخدمة الأسلوب نفسه الذى استخدمه باتريوس فى العراق بالجمع بين القوة السياسية والعسكرية. فالإستراتيجية الصحيحة هى إزاحة المقاتلين «بالصدفة» من ساحة القتال ــ من خلال التفاوض معهم، أو شرائهم، أو اقتسام السلطة معهم أو مجرد تجاهلهم. وفى الوقت نفسه، ينبغى على الولايات المتحدة ملاحقة خصومها الألداء فى القاعدة بلا رحمة، وعزلهم عن الشعب الأفغانى. وقبل كل شىء على أوباما أن يتجنب خلق ردود فعل لدى باكستان المجاورة من خلال التدخل العسكرى الأخرق هناك.

ورث أوباما حربا تتسم بالفوضى فى أفغانستان. وتتكون نصيحة كيلكولن، كما فهمتها، من ثلاث أشياء «يجب اجتنابها». فيطلب منه ألا يقدم على تكرار ما تم مرة أخرى، وألا يقدم على ما يجعل الوضع أسوأ بالتصعيد المفرط، وألا يظن أن بإمكانه الانسحاب الآن دون أن يترك ذلك آثارا مدمرة على مصالح الولايات المتحدة.

وبالنسبة لأوباما، يعنى ذلك التزاما محسوبا، فى موقع وسط بين التصعيد الشديد وتقليص القوات إلى الحد الأدنى.

c) 2009، Washington Post Writers Group

التعليقات