انتهى المؤتمر.. وبَقى معنا قانون الاستثمار - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 4:09 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتهى المؤتمر.. وبَقى معنا قانون الاستثمار

نشر فى : الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 9:30 ص

أما وقد مرت بضعة أسابيع على انتهاء المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ، فقد يكون مناسبا أن نعيد النظر فى تعديل قانون الاستثمار الصادر قبيل انعقاده بيوم واحد، بعيدا عن الصخب والتوتر الذى صاحب صدوره، بحيث يمكن تدارك بعض جوانبه السلبية التى يمكن أن تؤثر ليس فقط على مناخ الاستثمار وإنما أيضا على مصداقية الدولة إذا اتضح أن ما وعدت به ليس قابلا للتطبيق. وفى تقديرى أن الحد الأدنى لهذه المراجعة يجب أن ينصب على الجوانب الأربعة التالية:

أولا) فيما يتعلق بموضوع قيام هيئة الاستثمار بإصدار تراخيص النشاط للمشروعات المختلفة بالنيابة عن المستثمرين، فقد تم تقديم مشروع القانون فى البداية باعتباره سوف يجعل الهيئة وكيلا عن كل المستثمرين فى استخراج تراخيص النشاط والتعامل مع جميع الجهات الحكومية التى تنظم مختلف الأنشطة الاقتصادية. ولما تبين استحالة تحقيق ذلك، تم الاكتفاء فى القانون الجديد بأن تقوم الهيئة باستصدار تراخيص النشاط فى المجالات التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية (مادة ٥١ مكرر). وهذا وضع سوف يثير مشاكل أكثر مما يحل، لأنه يطرح العديد من المخاوف والتساؤلات حول كيفية ومعايير اختيار هذه المجالات التى سيحظى المستثمرون فيها بمعاملة خاصة. كذلك فإن هذا التوجه يؤكد أن مشكلة التراخيص سوف تظل قائمة، وكل ما هنالك أن الهيئة سوف تساعد فقط المستثمرين فى مجالات محددة ومشروعات قليلة، بينما يبقى الحال على ما هو عليه للغالبية الساحقة من أصحاب الأعمال. الواقع أن الوقت قد حان لمعالجة مشكلة التراخيص من أصلها وتعديل القوانين المتعلقة بها بدلا من البحث عن وسائل استثنائية لتجنيب بعض المستثمرين مشقة التعامل معها، وفتح باب المحاباة والانحياز دون طائل.

ثانيا) لا شك أن هناك أوجها عديدة لانتقاد نظام المناقصات والمزايدات المعمول به حاليا وفقا للقانون رقم ٨٩ لسنة ١٩٩٨والذى يحتاج لمراجعة شاملة من أجل تجديد الآليات التى تعتمد عليها الدولة فى حماية المال العام. ولكن بدلا من السعى لتطوير هذا النظام وجعله أكثر انسجاما مع متطلبات الاستثمار، فإن القانون الجديد قد أخرج منه تماما كل أشكال البيع والإيجار والتصرف للمستثمرين فى الأراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة، إذ نص فى الباب الخامس على أن تقوم هيئة الاستثمار بعرض هذه الأراضى على المستثمرين، فإذا تعدد الراغبون فى الحصول على أرض معينة (ما يسميه القانون بـ«التزاحم») فإن «قرعة» تجرى بينهم لتحديد من يحصل عليها. وهذا وضع غريب لأن القرعة أسلوب مقبول للاختيار حينما يتعلق الأمر بتخصيص آلاف المساكن وقطع الأراضى الصغيرة والنمطية بين عشرات الآلاف من المواطنين. أما أن يتم اللجوء لنظام «القرعة» لتحديد أى الشركات الكبرى التى تحظى بأراض شاسعة لمشروعات كبيرة فهذا وضع غير سليم لأن القاعدة عند التزاحم أن تمنح الأرض لمن يدفع أعلى سعر أو يقدم أفضل الشروط أو يحقق العائدين الاقتصادى والاجتماعى الأكبر للبلد. ويزيد الأمر صعوبة عند النظر إلى ما تنص عليه المادة (٧٤) من القانون والتى تعطى الهيئة حق منح الأرض بالمجان خلال السنوات الخمس القادمة، ولو كان عليها «تزاحم» بين المستثمرين، أى تنافس بينهم للحصول عليها. وهذا وضع مختل لأن التنافس فى حد ذاته يعنى أن للأرض قيمة اقتصادية وأن للدولة والمجتمع حقا فى الحصول على مقابلها النقدى بدلا من تخصيصها بالمجان، وهو وضع لا يضيع فقط عائدا على الخزانة العامة وإنما يفتح بابا كبيرا للفساد فى مجال عانت منه مصر كثيرا قبل الثورة.

ثالثا) كانت المسودات الأولى من القانون تتجه إلى العودة لمنح إعفاءات ضريبية للشركات التى تستثمر اموالها فى مجالات معينة، ثم تم العدول عن ذلك، وهو أمر جيد لأن الإعفاءات المؤقتة تضيع على الدولة موارد بلا داعٍ وتفتح أبوابا واسعة للفساد والتلاعب. ولكن لرغبة الدولة فى أن تقدم مزايا جديدة للمستثمرين، فقد تضمن القانون خليطا من الحوافز، بعضها يمكن أن يكون مقبولا لو تم تطبيقه بشفافية وعدالة، مثل تخفيض أسعار الطاقة والأرض والمرافق للمشروعات التى تحقق فائدة خاصة للاقتصاد القومى، وبعضها يمثل اعتداء غير مسبوق على الدستور وعلى مبدأ المساواة بين المشروعات والشركات، وأبرزها إعفاء الشركات المؤسسة وفقا لقانون الاستثمار دون غيرها من الإلزام القانونى والدستورى باستحقاق العمال لنصيب فى الأرباح (مادة ١٤)، وكذلك اعفاء مدير شركة الاستثمار دون غيرها من المسئولية الجنائية عن تصرفات الشركة (مادة ٧ مكرر). ولا أشك شخصيا أن القضاء الدستورى سوف يتصدى لهذه التفرقة بين الشركات المصرية فى أمور لا تتصل بمزايا أو إعفاءات أو اجراءات، بل بحقوق العاملين فى الشركات والمنصوص عليها فى الدستور، وكذلك بنصوص جنائية لا يجوز فيها التفرقة والتمييز.

رابعا) جاء القانون بأحكام جديدة تؤدى إلى اضطراب شديد وتناقض فى طبيعة الدور الذى تؤديه هيئة الاستثمار وعلاقتها بالمجتمع الاستثمارى. فمنذ إنشائها فى السبعينيات، تراوح دور هيئة الاستثمار بين أن تكون رقيبا على المستثمرين وأن تكون معاونا لهم على تجاوز العقبات. وكان رأيى ــ ولا يزال ــ أن الهيئة يجب أن تكون داعما للمستثمرين لا رقيبا عليهم لأن الرقابة تأتى فى الأصل من الجهات صاحبة الاختصاص القطاعى، بمعنى أن الرقابة على البنوك تكون مهمة البنك المركزى، وعلى سوق المال تكون لهيئة الرقابة المالية، وعلى المنشآت الصحية لوزارة الصحة، وعلى المدارس لوزارة التعليم وهكذا. أما هيئة الاستثمار فبحكم أنها ليست جهة ذات اختصاص أو خبرة قطاعية، بل تسعى لترويج الاستثمار فى جميع القطاعات الاقتصادية، فإنها ليست مهيأة للقيام بدور رقابى، كما أن هناك حاجة حقيقية لقيامها بمهمتها فى مساندة ودعم المستثمرين فى مواجهة بيروقراطية الدولة. والفترة التى شهدت طفرة كبيرة فى الاستثمارات المحلية والأجنبية فى مصر (٢٠٠٤ إلى ٢٠٠٨) ارتبطت بتحول مؤسسى فى هيئة الاستثمار جعلها نصيرا للمستثمرين وليس رقيبا عليهم. ولكن القانون الجديد أعطى هيئة الاستثمار صلاحيات واسعة فى وقف نشاط الشركة، ومنع الحوافز والمزايا عنها، بل وإلغاء ترخيصها نهائيا (مادة ٩٣). وتقديرى أن منح الهيئة هذه السلطات العقابية لا يناسب دورها فى الترويج للاستثمار بل يتناقض معه بشكل صارخ، بالإضافة إلى أنه يتعارض مع السلطة الرقابية للجهات الحكومية المختصة قطاعيا.

هذه القضايا الأربع الكبرى تحتاج لتعديل عاجل لتجنب آثارها السلبية. ولكنها ليست الوحيدة، بل يوجد بالإضافة لها بعض المشكلات الفنية القانونية التى سوف تحتاج للمراجعة، بما فيها إلغاء المناطق الحرة الخاصة دون تحديد مصير المناطق القائمة حاليا، والتعارض بين القانون الجديد وقانون الشركات فى إجراءات التأسيس، وغيرها مما تناولته تعليقات مختلفة، (أبرزها مقال د. سلامة فارس، بجريدة «المصرى اليوم» بتاريخ ٤ أبريل).

فى النهاية فلا يهم من أصاب ومن أخطأ فى إعداد القانون، لأن هذا ليس وقت عتاب أو حساب. المهم أن نتجاوز هذه المشكلات سريعا ونصححها قبل أن تتفاقم ويصبح تداركها أكثر صعوبة.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.