صدق الرئيس الأمريكى باراك أوباما حين ذكر فى لقاء تليفزيونى الأسبوع الماضى «أن مصر تحت حكم النظام الجديد ليست حليفا ولا عدوا للولايات المتحدة». إلا أن ما جمع واشنطن بالنظم المصرية السابقة من «علاقات خاصة» لا يمكن لها أن توصف بأنها «علاقات تحالف».
ويعرف التحالف بين الدول على أنه تعاهد على عمل موحد فى مواجهة عدو مشترك، كما يمكن أن يعرف التحالف على أنه العمل من أجل مصالح مشتركة، ولم يجمع القاهرة وواشنطن هذا ولا ذاك، بل ارتكزت العلاقات بين الدولتين على قاعدة مختلفة أساسها «العلاقات المصرية الإسرائيلية».
●●●
من هنا يمكن أن نطلق مسميات عديدة لوصف ما يجمع مصر والولايات المتحدة بدء من كونها «علاقات استراتيجية» وانتهاء بكونها «علاقات خاصة»، إلا أن مسمى «علاقات تحالف» لا ينطبق على ما يجمع القاهرة بواشنطن على المستوى الرسمى، فإسرائيل نجحت ومنذ البداية فى جعلها علاقة ثلاثية تتحكم هى فى حدودها، وأصبحت علاقات القاهرة مع إسرائيل فى جانب كبير منها ترمومترا لعلاقاتها مع أمريكا. وضيعت القيادة المصرية السابقة فرصا عديدة لتغيير هذا النمط الثلاثى للعلاقات، التى تستفيد منها إسرائيل بصورة أساسية. فقد مثلت أحداث 11 سبتمبر 2001، ومن بعدها الحرب على الإرهاب، فرصة نادرة فى الاستقلال فى علاقاتنا مع واشنطن بعيدا عن إسرائيل، إلا أن هذه الفرص أهدرت. لذا لم يكن مستغربا خلال أيام ثورة 25 يناير أن توالت مكالمات هاتفية من إسرائيل لواشنطن طالبة من الرئيس الأمريكى التمهل والوقوف بجانب حاكم مصر، وذكر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى لأحد مستشارى أوباما «لا أعتقد أن الرئيس أوباما يعرف ما ينتظره»، وأكد نتنياهو لأوباما على «ضرورة الوقوف مع مبارك مهما حدث».
●●●
أغلب خبراء واشنطن يرون أن سنوات العلاقات الجيدة والمتينة بين دولتهم ومصر انتهت، إلا أنهم يعجزون عن تقديم بديل مستقبلى لعلاقات مختلفة تجمع بلادهم بمصر الديمقراطية التى يفترض فيها أن تتغير قياداتها السياسية دوريا، وما قد يتبع ذلك من إمكانية تغيير توجهات السياسة الخارجية المصرية كذلك.
ويشهد اليوم انشغال العديد من العواصم الكبرى، كما هو متوقع منها، فى إعادة حساباتها الاستراتيجية. إلا أن الأكثر أهمية وخطورة، هو أن الدول الإقليمية المهمة لم تضيع وقتا، وتحاول جاهدة ملء الفراغ الاستراتيجى الذى تعانى منه منطقتنا، والتحرك سريعا لتأكيد مصالحها، والمشاركة فى إعادة رسم خريطة المنطقة. ولا توجد لمصر بداية أفضل من التخلص من عبء ثلاثية العلاقات المصرية الأمريكية الإسرائيلية. ويرتبط بهذا ضرورة البحث عن طريقة جديدة غير تقليدية من جانب القاهرة لإدارة علاقاتها مع واشنطن.
لقد غيرت الثورة المصرية الحسابات الأمريكية فى العلاقة بين الجانبين. وأظهرت الثورة، ومازالت، تحديات جديدة لهذه العلاقات التى شهدت استقرارا استراتيجيا فى جوهرها خلال السنوات الثلاثين السابقة.
●●●
وفى الوقت الذى يتذكر الأمريكيون كثيرا أنهم يقدمون مساعدات عسكرية كبيرة لمصر، يتجاهلون ما تكسبه وتجنيه الولايات المتحدة مقابل تلك المساعدات التى تعدت قيمتها 73 مليار دولار. ويتناسى المسئولون الأمريكيون حقيقة أنه فى عالم السياسة لا تقدم الدول لبعضها البعض مساعدات مجانية أو بدون مقابل. وتمنح العلاقات العسكرية والأمنية مع مصر واشنطن مزايا كثيرة منها مناورات النجم الساطع التى تعد الأكبر من نوعها فى العالم. وتمنحها أيضا مزايا عسكرية ولوجستيكية مثل استخدام الأجواء المصرية، أو تسهيلات عبور قناة السويس للسفن والبوارج الحربية الأمريكية حتى تلك التى تحمل أسلحة نووية. ويرتبط تلقى مساعدات عسكرية من واشنطن بلعب القاهرة دورا إقليميا لا يخدم بالضرورة مصالح الدولة المصرية الاستراتيجية. وأثبتت مصر خلال سنوات حكم الرئيس السابق أنها دولة صديقة يمكن لواشنطن أن تطمئن لها وعليها. وأصبحت مصر عنصر استقرار إقليمى يخدم بصورة مباشرة وغير مباشرة المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط. وضمن ذلك لواشنطن قيام واستمرار تعاون أمنى وعسكرى واستخباراتى على أعلى المستويات. وكانت حرب الخليج الثانية إبان غزو العراق للكويت عام 1990 تجسيدا حيا لما يمكن لمصر وجيشها القيام به لخدمة مصالح واشنطن. ثم مثلت الحرب الأمريكية على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر شاهدا على الوزن الكبير للتعاون الاستخباراتى والأمنى بين الدولتين.
●●●
وتتيح ثورة مصر فرصة نادرة لواشنطن للتصالح مع الشعب المصرى عن طريق علاقات جديدة بدلا من نمط علاقاتها الخاصة السابقة مع نظام الحكم غير الديمقراطى، إلا أن دوائر الحكم فى واشنطن مازالت ترى، خطأ، أن تعاملها مع دولة مصرية ديمقراطية ليس بالمهمة السهلة بعدما تمرست واشنطن واعتادت إداراتها، والمراكز البحثية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، على التعامل السهل مع نظام ديكتاتورى لا تهمه مصالح مصر العليا لأكثر من ثلاثين عاما.
ورأى بعض المسئولين الأمريكيين أن غياب الشعارات المعادية لأمريكا عن شعارات «ميدان التحرير» أثناء أيام الثورة ظاهرة جديرة بالتذكر. ووصف أوباما هذه الثورات بأنها «رياح حرية» هبت على المنطقة، وقال إن القوى التى أطاحت بالرئيس المصرى السابق حسنى مبارك يجب أن تتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وعكست هذه الكلمات آمالا متزايدة فى واشنطن أن المصريين بعد الثورة سيصبحون أكثر تأييدا لسياساتهم فى المنطقة، وأكثر انفتاحا على إسرائيل. إلا أن السياسات الأمريكية التقليدية فى منطقتنا لم تساعد على ارتفاع نسبة شعبية أمريكا.
●●●
المصالح الإستراتيجية لمصر باقية بغض النظر عن هوية من يحكم، أو سيحكم، مصر. ما نحتاجه الآن من الرئيس محمد مرسى أن يعبر بوضوح وعلانية عن هذه المصالح، وأن تتحرك مصر بفاعلية خارجيا حتى لو كان ذلك على حساب علاقة القاهرة الثلاثية بواشنطن.