بحفل ختامه اليوم، يطوى مهرجان القاهرة السينمائى دورته الـ 44، بعد 11 يوما من العروض الفنية والندوات والورش التى اجتهد القائمون عليها لتوصيل رسالة مهمة مفادها أن «الفن حياة»، كما أن الحياة ذاتها مليئة بضروب من الفنون التى تحتاج فقط من أصحاب العيون البصيرة تسليط الضوء عليها لمساعدة الإنسان على تخطى العقبات التى تعترض مسيرته فى ماراثون تنافسى لا يعطى أحدا فرصة الخمول أو الكسل وقت اللهاث فوق مضمار السباق.
وعلى مدى الفترة من 13 نوفمبر الحالى وحتى اليوم الثلاثاء، 22 نوفمبر، عرض المهرجان أكثر من 100 فيلم كان للروائى منها نصيب الأسد بنحو 80 فيلما، لكن عشاق الفن السابع لم يحرموا من مشاهدة أفلام قصيرة وأخرى تسجيلية، وثالثة وثائقية، مثلت فى مجموعها أكثر من خمسين دولة تنتمى إلى خمس قارات، فى تجاور فنى وإنسانى يؤكد على فكرة تلاقى الحضارات، وامتزاج الثقافات، باعتبار الكل فى قارب واحد يحتاج إلى التعاون والتعاضد ونبذ الفرقة والبغضاء.
ورغم تأكيد إدارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، على كونه أحد أعرق المهرجانات فى الوطن العربى وأفريقيا والأكثر انتظاما، والتأكيد أيضا فى جميع نشرات المهرجان، ورسائله الإلكترونية للصحفيين، على أنه ينفرد بكونه الوحيد فى المنطقتين العربية والأفريقية المسجل ضمن الفئة A فى الاتحاد الدولى للمنتجين فى باريس «FIAPF»، إلا أن شيئا ما كان مفقودا فى دورة هذا العام.
نعم هناك سجادة حمراء عامرة بملابس ملونة، وصيحات موضة تواكب الأحدث فى مجال صنع الأزياء، وكاميرات ترصد الأنوار المنعكسة على قبة دار أوبرا القاهرة، والوجوه المليحة للنجوم والنجمات، غير أن شيئا ما ظل غائبا، وكان محل نقاش وسط عدد من الصحفيين فوق مقاعد الاستراحة المقامة فى الهواء الطلق، وهو افتقاد البريق.. صحيح بعض العروض والأنشطة المصاحبة تحلت بالوهج لكنه «الوهج الخافت» مقارنة بدورات سابقة.
غياب الوهج كان وراء وصف البعض للدورة الـ44 لمهرجان القاهرة السينمائى بـ«العادية» أو «الكلاسيكية».. فقد حصل المنظمون على أفلام جيدة وأخرى متواضعة، جرى توزيعها على جداول محددة بالساعة ويوم العرض، وأقيمت ندوات تحدث فيها عدد من المكرمين وصناع الأفلام، وحضرها جمهور غالبيته من المثقفين، لكن ظل السؤال: أين الحماس الذى تميزت به دورات سابقة؟
فى تقديرى، وحتى لا نظلم القائمين على مهرجان القاهرة السينمائى وعلى رأسهم النجم الكبير حسين فهمى، فإن توقيت إقامة المهرجان بالتزامن مع مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ، وتداخل أيام المهرجان مع كأس العالم المقامة حاليا فى العاصمة القطرية الدوحة، لم يكن توقيتا مثاليا، فقد انشغل الإعلام بحدثين كبيرين، على حساب القاهرة السينمائى.
هذه نقطة أولى والثانية: الميزانية (40 مليون جنيه مصرى وليس 40 مليون جنيه إسترلينى كما وقع ناقد فنى كبير فى الخطأ وهو يكتب عن المهرجان فى صحيفة عربية رائجة)، وهذا المبلغ المتواضع فى عرف المهرجانات الدولية، لم يتح فرصة استضافة نجم عالمى من العيار الثقيل للفت الأنظار إلى حدث كبير، رغم السعى لذلك، فالعين بصيرة لكن «الميزانية صغيرة»، وتلك أمور خارج قدرات إدارة المهرجان.
النقطة الثالثة تجسدت فى عدد من المشكلات، مثل إقالة الزميل محمد عبدالرحمن من رئاسة المركز الصحفى عشية الافتتاح، وحرب البيانات المتبادلة التى احتوت على ألفاظ وكلمات ما كان يجب اللجوء إليها، أضف إلى ذلك أزمة الـ«درس كود» الذى وضعه رئيس المهرجان للزى الرسمى لحضور حفل الافتتاح وما أثاره من اعتراضات، مرورا باختفاء تذاكر الفيلم المصرى «19 ب» قبل احتواء المشكلة، وصولا إلى «صلاة الجمعة على السجادة الحمراء أو «الرد كاربت» التى اعتبرها البعض «قدس أقداس المهرجان» الذى تعرض للغزو!
تلك مشكلات حقيقة وليست «أزمات مفتعلة» كما اعتبرها البعض، وهى أزمات صنعها القائمون على المهرجان، ولم تخلق من عدم، أو يدسها عليهم أحد، وهى أيضا، فى تقديرى، وليدة تفاعلات إنسانية ويجب عدم إنكارها، فليس هناك أحد محصنا من الخطأ، المهم تدارك المشكلة والتعلم من التجربة.
وفى الأخير اجتهدت إدارة المهرجان لتقديم دورة خالية من المطبات، نجحت فى محطات، وأخفقت فى أخرى، لكن يبقى الجهد مقدرا، والخلاف فى التقييم لا يفسد للود مهرجانا.. وفى انتظار دورة جديدة أكثر ألقا فى عام مقبل.