ينشغل الساسة فى القاهرة بصراع المقاعد البرلمانية، ويتسابقون على الفوز برئاسة اللجان النوعية فى مجلس النواب الذى بات وشيكا عقد أولى جلساته، فيما الإعلام، وخصوصا الفضائى، غارقا فى معركة لم يسبق لها مثيل، شعارها الخوض فى الأعراض وفضح الخصوصية، وجر الرأى العام إلى حارات وأزقة جانبية، بينما مصر تئن من المشكلات التى تراكمت عبر سنوات، ثم جاء الوقت لتسديد فواتير الفساد الذى نهش السواد الأعظم من الأجساد.
لا يريد البعض الاعتراف بأن مصر أكبر من القاهرة، وإن كانت هى القلب النابض، فهناك السواعد والأكتاف التى تحملها أقدام بدأت تشعر بأنها لم تعد تقوى على انتظار تعطف العاصمة وإعلامها بذكر ما تعانيه، باعتباره أولوية على برامج الردح الليلى بين هذا المذيع وذاك، أو بين من طفحت بهم البالوعات على سطح الحياة السياسية بعضهم البعض، فى مرحلة لم تعد تتحمل رقص البهلوانات فى السيرك الشعبى.
فى الأيام الأخيرة، وبعيدا عن ضجيج العاصمة، زرت أرض الذهب والشمس الساطعة، حارسة البوابة الجنوبية لمصر، وحاضنة سدها العالى.. بدت أسوان، كعادتها فى هذا الوقت من العام، عروسا تتسربل فى ضوء النهار المتعامد على أجمل الأنهار، لكن القلب لم يكن على العهد ذاته الذى ألفناه، بعد غياب العشاق عن المحبوبة.
فى شوارع أسوان اختفى السياح الأجانب تقريبا، وبات التعرف على الزوار من المحافظات الأخرى، لقلة عددهم، سهلا يسيرا، أصحاب السواعد السمراء من العاملين فى المجال السياحى، فى الفنادق والبازارات، الفلائك والسفن، المقاهى والكافتيريات، تأبى ألسنتهم الضج بالشكوى المرة، فيما عيونهم تفضح كل شىء، فقد وصل الحال إلى وضع يصعب تجاهله.
صالح عربى المرشد السياحى الذى يقدم نموذجا لشباب مصر الواعد، لا يزال يصر على النحت فى الصخر، رغم الظروف القاسية التى تمر بها السياحة، يقول ونحن نمرق، مجموعة من سبعة أفراد، إلى داخل معبد فيلة، إن الحادث الإرهابى الشهير الذى وقع فى الأقصر، لم يكن تأثيره السلبى على أسوان بالمقدار نفسه الذى أحدثه سقوط الطائرة الروسية بعد إقلاعها من شرم الشيخ.
فى الفندق الذى نزلنا به والمقام على ضفة النيل الشرقية بإطلالة واسعة على المزارات السياحية فى البر الغربى وبينها جزيرة النباتات وضريح الأغا خان، كانت نسبة الإشغال لا تتعدى العشرة فى المائة فى ذروة موسم سياحى لم تكن تجد فيه غرفة واحدة فى سنوات الرواج، كما يقول مديره، الذى حملنى رسالة لكل إعلامى تقول: «لا تنسوا أسوان فى جدول اهتماماتكم اليومية».
الحديث عن هجر السياح وكيفية استعادتهم، كان محور لقاء أجرته معى قناة طيبة التليفزيونية المحلية على هامش مناسبة اجتماعية قدمت نموذجا للتفكير خارج الصندوق، حيث اختارت زميلة الدراسة بجامعة القاهرة الدكتورة هالة بيومى، الباحثة المصرية الفرنسية بالمركز القومى للبحث العلمى فى فرنسا، أن تكون أسوان مسرحا لزفاف ابنتها، فدعت اصدقاءها الفرنسيين والمصريين للمشاركة فى الحدث الذى كانت المدينة أهلا لاحتضانه، وبرهن ابناؤها أنهم على قدر المسئولية تنظيما وتأمينا، جنبا إلى جنب قدرتهم على إشاعة البهجة فى نفوس المدعوين.
هل فكر من يصدعون رءوسنا ليل نهار عن التنشيط السياحى، ومن يذهبون فى الرحلات إلى الخارج للتصوير بجوار ملصقات ترويجية أكل الزمان عليها وشرب، فى البحث عن طرق غير تقليدية، تنتشل السياحة المصرية من عثرتها الراهنة؟! فلنكسر الصندوق يا سادة بحثا عن حلول.