زرت الكويت فى رحلة قصيرة لم تزد عن ثلاثة أيام لحضور ختام مهرجان القرين الثقافى الذى احتفل ببلوغه العام الخامس والعشرين ورسخ اسمه من بين أهم المهرجانات الثقافية العربية وكنت قد اشرت فى مقالات اخرى لتراجع الحالة الثقافية فى الكويت لان ما يصل إلينا من اخبار ظل قاصرا على الشعور بالخوف من تنامى نفوذ الرقابة فى معرض الكويت الذى لم يعد يشجع احدا على حضوره لهذا السبب.
وفِى الخمس سنوات الاخيرة تأثرت صورة الكويت الثقافية سلبا امام المثقفين العرب وهم الذين عرفوها واحدة من منارات العطاء الثقافى فى زمن كانت فيه مجلات مثل (العربى وعالم الفكر والثقافة العالمية) نماذج تحتذى فى عمق تأثيرها على العقل العربى وكانت عالم المعرفة هى السلسلة الاكثر شعبية فى العالم العربى كله بفضل المعيارية الصارمة التى وضعها المفكر الراحل الدكتور فؤاد زكريا.
وكان ثمة قلق عربى على مصير كل هذا العطاء الثقافى الذى يتأثر ولا شك بتوازنات القوى السياسية داخل الكويت والتى جعلت القوى المحافظة تفرض هيمنتها على المجال العام هناك.
ورغم ذلك تظل هناك اسباب كثيرة تدعو للأمل لمستها فى الزيارة الاخيرة، التى اتخذت طابعا مختلفا، فقد انعقد القرين تحت عنوان (ربع قرن من العطاء المتجدد) بغرض تقييم التجربة كلها ووضعها تحت مجهر الفحص، كما أشار إلى ذلك المهندس على اليوحة الامين العام للمجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، وهو توجه ايجابى لا يقل أهمية عن مواصلة تقليد مهم اخر تمثل فى تكريم الاسماء البارزة فى الثقافة الكويتية والتى لعبت دورا تأسيسيا فى حركة التنوير الكويتى وأولها عبدالعزيز حسين واحمد مشارى العدوانى وعبدالحسين عبدالرضا والإذاعى رضا الفيلى والممثلة سعاد عبدالله والشاعر الغنائى على المعتوق، وكم أسعدنى وجود اسماء مثل سليمان العسكرى ومحمد الرميحى فى جلسات المهرجان المختلفة، إلى جانب اسماء مثل فهد الهندال وسعدية مفرح وعباس الحداد لها حضورها العربى ما يعد دليلا على الرغبة فى تواصل الاجيال وترميم فجوة كانت قد برزت عبر السنوات الاخيرة.
وقد اخبرنى الدكتور عيسى الأنصارى الامين العام المساعد ان القرين واصل انفتاح أنشطته على مناطق اخرى فى الكويت خارج العاصمة ولعب الأنصارى بالذات دورا لافتا فى تاكيد الحضور المصرى داخل المهرجان هذا العام بحكم خبرته التى كونها فى القاهرة عبر عمله مستشارا ثقافيا فى مصر وكان مثل اهل مكة الأدرى بشعابها وبفضل هذه الدراية تمثلت فى المهرجان الثقافة المصرية بمختلف أجيالها مع تأكيد طابعها الشاب الذى تجلى فى الندوة الرئيسية للمهرجان وكانت الاعلام الجديد والازمات الثقافية لكن اهم ما لفت نظرى فى الكويت هذه المرة امر يتعلق بالطفرة التى تحققت فى مجال البنية التحتية الثقافية فقد اصبحت الكويت تملك مكتبة وطنية جبارة لعلها الأرقى عربيا بحسبما رأيت فيها من إمكانيات مذهلة، اما مبنى مركز جابر الثقافى الذى يتضمن أوبرا الكويت فهو بحاجة لمقال تفصيلى بأمل الإحاطة بجماله المعمارى المبهر الذى يضاهى اهم مبانى الاوبرا فى العالم ويفوقها جمالا.
وكانت المفاجأة قد تمثلت فى ظهور مثل منصة الفن المعاصر (كاب) التى تحتضن معرضا للفنان فاروق حسنى وفِى مكتبة تكوين التى تديرها الروائية بثينة العيسى وأصبحت قبلة للباحثين عن الجمال، كما لا يمكن نسيان الأثر الذى خلقته جائزة الملتقى للقصة القصيرة على صعيد عربى وساعد الكويت من جديد على استعادة ما كان لها من دور ريادى.
ويبقى السؤال كيف يمكن لهذا التحول الإيجابى المتمثل فى نمو مبادرات ثقافية جديدة ان يعيد الوجه القديم الإيجابى للثقافة الكويتية وكيف لها ان نستفيد من شبابها الجادين امثال سعود السنعوسى وعبدالوهاب الحمادى وكيف لأمثال هؤلاء المساعدة فى القفز بالثقافة فوق تناقضات السياسة وصراعاتها اليومية لتعود الكويت التى نحب ان نتوجه اليها؟