فتوى الفسيخ تشبه الفسيخ نفسه..
وهى إجابة عن سؤال ما كان يجب أن يسأل.. ودائما وأبدا السؤال الخطأ يأتى بالإجابة الخطأ.. قال السادة أصحاب الفتوى إن الفسيخ حرام شرعا إذا نصح الأطباء بعدم أكله أو كان فاسدا.. وتصدرت هذه الفتوى الغريبة صفحات صحف يوم شم النسيم، وبالتالى انتقلت إلى شاشات القنوات الفضائية لتكون فقرة أساسية.. وبموجب هذه الفتوى التى يشوبها الافتعال والتنطع والزج بالدين بلا ضرورة فى مسائل لا شأن للدين بها.. فلا يوجد نص يحرم أكل الفسيخ أو السمك المملح، كما هو الحال مع الميتة ولحم الخنزير والخمر والميسر وسائر المحرمات.
ولأن الفتوى أجازت التحريم بناء على رأى الأطباء فيمكن لنا وبناء على رأى الأطباء أن نقول إن اللحم حرام.. والبيض حرام.. وحتى الخبز حرام وأيضا بعض الخضراوات، حيث يمنع الأطباء تناولها فى حالات المرض المختلفة.. وفرق كبير للغاية بين المنع وبين التحريم.. سلطة التحريم حق مطلق للمولى عز وجل.. أما المنع فهو سلطة متاحة لكل الناس كل حسب قوته وسلطانه أو حسب الضرورة، التى تحتم المنع أو الحظر.. وبالتالى فإن إقحام الدين فى مسألة الفسيخ لمجرد التحذير من مخاطر أكله أمر يضر بالدين نفسه.. فإذا كان الحلال والحرام سيفرضان على الناس حسب نصائح الأطباء، فما قول أصحاب هذه الفتوى إذا نصح أحد الأطباء مريضه بتناول الخمر كدواء يساعد على النوم أو شرب البيرة لتنظيف الكليتين؟
وطالما أن خطر الفسيخ قائم على أمور صحية، وهى التى توجب المنع فيجب أن يبقى الأمر فى دائرة اختصاص الأطباء ورجال مكافحة الأغذية الفاسدة والمغشوشة.. ويظل الدين شامخا وعزيزا علينا نهتدى به.. ولكنها شهوة الإعلام التى تغرى بعض العلماء الأفاضل بأن يتحدثوا فيما لا يستحق الحديث فيه أصلا.. وقد سأل أحد الصحابة الكرام رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام فى شأن لحم الضب.. أهو حلال أم حرام؟ فكان رد الرسول فى غاية الحسم والإيجاز والبلاغة، حيث قال فيما معناه: أنا لا آكله ولكنى لا أحرمه.. وكان يمكن للعلماء أصحاب الفتوى أن يتمهلوا ويفكروا قليلا قبل أى إجابة متعجلة، لاسيما أن بعض العامة والخاصة يؤمنون بما يسمعون.
أما إذا كان الهدف من هذه الفتوى هو إخضاع كل شىء فى حياتنا للتحكيم حسب قواعد الحلال والحرام كما الحال مع الفسيخ.. فأنا أسأل عن موقف علب التونة هل هى حرام أم حلال؟ أو شوربة سيقان الضفادع؟ إلى أين يأخذنا العلماء؟ وفى أى طريق يسير بنا الإعلام؟