إطار للربيع العربى - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إطار للربيع العربى

نشر فى : الأحد 22 مايو 2011 - 8:52 ص | آخر تحديث : الأحد 22 مايو 2011 - 8:52 ص

 يبحث المحللون عن الحدث التاريخى الذى يمكن مقارنته بالربيع العربى. هل يشبه عام 1848، وموجة الثورة التى سادت أوروبا؟ أم هو 1989 وسقوط جدار برلين؟ أو ربما 1979 والإطاحة بشاه إيران على إيدى مسلمين راديكاليين؟، حيث تحمل الانتفاضة الديمقراطية عناصر من كل ما سبق، وروح التغيير فى معظمها مبهجة. ولكن أعلى ما أسمعه من دوى قادم من الشرق الأوسط لا يأتى من سقوط الحواجز، وإنما من القادة المرتعبين الذين يقولون بنفس يأس الجيش الفرنسى أثناء انسحابه فى فوضى من واترلو فى 1815: «انقذوا ما تستطيعون إنقاذه!» انقذوا أنفسكم إن استطعتم! ويعتبر القياس على عام 1815 مفيدا، لأنه يفكرنا بهيكل قوة قديم ــ نظام هيمنة تسيطر عليه الولايات المتحدة ــ يتحطم، مع تغير العالم، وسوف يتعين بناء إطار جديد للحفاظ على الاستقرار. وفى 1815، أدت عملية التكيف إلى مؤتمر فيينا وبنية أمنية جديدة ــ وهو موضوع مشوش، لكنه مهم وسأعود إليه. وعودة إلى سياسة الحفاظ على الذات، فى 2011: حيث تتفاوت الأساليب من بلد لآخر. فبعض القادة العرب لاسيما الملك عبدالله الثانى فى الأردن، يشجعون التغيير السياسى، بأمل أن يستطيعوا بناء شرعية جديدة، فى حين يستخدم آخرون معمر القذافى فى ليبيا، ومؤخرا، بشار الأسد فى سوريا، القوة العسكرية لإجبار شعوبهم على الخضوع، وربما يكسب الأسد والقذافى مساحة بضعة أسابيع، لكن من المرجح أن يسقطا. حيث فقدا شرعيتهما بإطلاق النار على مواطنيهما.
ويأتى تفكك الأمبراطورية الأمريكية المتخاذلة، فى خلفية هذا الحفاظ المحموم على الذات. ففى مصر، أدرك الملوك والرؤساء ناهيك عن الناس العاديين،أن الولايات المتحدة لن تنقذ عملاءها. فلن تهتم أمريكا المجهدة بسبب العراق وأفغانستان، وربما أيضا زادتها هاتان الحربان حكمة، بإنقاذ الطغاة المستبدين.

وقد سبب تخلى أمريكا عن الرئيس حسنى مبارك صدمة للإسرائيليين والسعوديين وبقية قوى الوضع الراهن، لكن الأمر فعليا كان مجرد اعتراف بالحقيقة. فعندما يكون لديك مليون شخص فى ميدان التحرير مستعدين للموت من أجل قضية، لن تستطيع أى قوة أجنبية أو محلية وقفهم.

●●●


وفى هذه اللحظات، بينما تتفكك التحالفات القديمة، من المهم أن يكون لدى البلدان المحررة حديثا نقطة مرجعية: فبعد 1989، كان من الممكن أن تتطلع أوروبا الشرقية للاتحاد الأوروبى باعتباره نموذجا سياسيا اقتصاديا، وإلى الناتو من أجل الضمانات الأمنية. وبعد انهيار الأمبراطورية العثمانية فى 1918، أدار الانتدابان البريطانى والفرنسى لفترة قصيرة أجزاء من بقايا الأمبراطورية العثمانية، وعندما انتهى هذان الانتدابان بعد عام 1945، قدمت أمريكا الصاعدة الهيمنة، وفرضت إسرائيل الصاعدة قيودا.

ونحن حاليا بين نظامين. انتهى النظام القديم الذى احتوى مبارك والقذافى، ولكن لم يظهر خليفة لهذا النظام بعد. وفى هذا الفراغ السياسى، يتسابق القادة على الحصول على وضع ــ ويسيرون غالبا فى اتجاهين فى وقت واحد. وعلى سبيل المثال، يتعاطف ملك الأردن مع الإصلاحيين الديمقراطيين فى البحرين، ولكنه يسعى أيضا للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجى بقيادة السعودية، الذى أرسل القوات العسكرية إلى البحرين.

ويشعر الملك عبدالله عاهل السعودية باستياء كبير من تخلى أمريكا عن مبارك، حتى أنه أرسل الأمير بندر مبعوثا إلى الصين وبلدان آسيوية أخرى لإيجاد حلفاء جدد. غير أن السعوديين مازالوا يعملون عن كثب مع وكالة الاستخبارات الأمريكية ضد الإرهاب ومع القيادة المركزية الأمريكية فى قضايا الأمن العسكرى.

●●●


وعلى الرئيس أوباما عند معالجته لجميع هذه الانتفاضات أن يركز على القيم الأساسية: كيف يمكن للولايات المتحدة دعم التغيير السلمى، ومعارضة الأنظمة التى تستخدم العنف لقمع شعوبها؟ وكيف يمكن لقصة الغضب القديمة التى كانت عن أسامة بن لادن، أن تصبح حكاية جديدة عن الأمل والاعتماد على الذات. فإذا كان أوباما يريد الاضطلاع بموضوع كبير بوجه عام، عليه أن يفكر فى المقارنة مع 1815. وكان ذلك موضوع أطروحة هنرى كيسنجر لنيل الدكتوراه نشرت عام 1954 بعنوان «عالم تم استرداده»، والموضوع ذو صلة بالوضع الجديد. فكما أوضح كيسنجر، أنه قد وجد قادة الدول بعيدى النظر فى مؤتمر فيينا وسيلة للتوفيق بين مصالح قوى الوضع الراهن آنذاك بريطانيا والنمسا، ومصالح القوى الصاعدة فرنسا ما بعد الثورة وبروسيا وروسيا.

●●●


ولا شك أن القوة تكره الفراغ، مثل الفراغ الحادث الآن. وربما نكون بسبيلنا لدخول عصر «ما بعد أمريكا» فى الشرق الأوسط، لكن ذلك لا يعنى ألا تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها من أجل خلق بنية أمنية أكثر شمولا، تستحق هذه الفترة الانتقالية. إنه عالم يجرى استرداده بالفعل.

التعليقات