أي نظام مصرفي للبنان في هذه المرحلة الانتقالية؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أي نظام مصرفي للبنان في هذه المرحلة الانتقالية؟

نشر فى : الإثنين 22 مايو 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الإثنين 22 مايو 2023 - 8:35 م

الأزمة المستمرّة والمتفاقمة فى النظام المصرفى اللبنانى على صعيد مصرف لبنان وجمعية المصارف اللبنانية تدلّ بوضوح على ضرورة إعادة نظر جذرية فى بنية النظام المصرفى ودوره وأهدافه. فى ضوء ذلك، نشر موقع 180 مقالا للكاتب زياد حافظ، تناول فيه بعض المقترحات لتغيير بنية النظام المصرفى القائم... نعرض من المقال ما يلى.
تاريخيا، كان النظام المصرفى اللبنانى يخدم بنية اقتصادية سياسية نتجت عن حقبة استعمارية امتدت إلى عقدين ونصف العقد وفيما بعد فى حقبة الاستقلال وفقا لتوازنات إقليمية ودولية لا داعى لاستذكارها فى هذه المقاربة. اليوم، يتحمّل النظام المصرفى برموزه كافة، ومعه الطبقة السياسية الحاكمة، مسئولية الانهيار الاقتصادى يضاف إلى ذلك تدخل بعض الدول الغربية وفى طليعتها الولايات المتحدة. ولقد قدّم المنتدى الاقتصادى والاجتماعى رؤية متكاملة للخروج من الأزمة منها إعادة بناء القطاع المصرفى.
بطبيعة الحال، فقد النظام المصرفى الحالى أى مصداقية يستطيع من خلالها استجلاب الرساميل اللبنانية فى الخارج والرساميل العربية التى يمكن أن تساهم فى إعادة إعمار لبنان. فالسلوك اللصوصى للنظام المصرفى الحالى المحمى من الطبقة السياسية والقضاء اللبنانى لا يمكن الاستمرار به إذا ما أراد اللبنانيون الخروج من الأزمة التى هم فيها. هذا حتى لو تمّت «انفراجات» على الصعد العربية والإقليمية والدولية. فالانفراج فى لبنان له شروط موضوعية عرضها المنتدى الاقتصادى فى رؤيته كما تم مسبقا عرض شروط التغيير السياسى المطلوب لبقاء لبنان. أما التغيير فى المشهد الاقتصادى اللبنانى بشكل عام وفى سلوك القطاع المصرفى فيبدأ بتغيير بنية النظام المصرفى القائم. هذا يعنى يجب إعادة النظر فى عدّة أمور.
• • •
أولا؛ إعادة بناء مصرف لبنان المركزى: المطلوب إعادة بناء المصرف المركزى وفق أسس جديدة حيث دور المصرف المركزى سيكون فى خدمة السياسة النقدية والمالية التى ستتبنّاها الدولة اللبنانية. هذا يعنى أن لا استقلالية سياسية للمصرف المركزى بل هو تابع لسياسة الخزينة اللبنانية. هذا موقف سيخلق نقاشا حادا وعميقا لا بد من الإقدام عليه لأن الصلاحيات التى أعطيت لمصرف لبنان ولحاكمه أوقعت البلاد فى الهاوية دون أى رادع أو مساءلة أو محاسبة وهذا لم يعد ممكنا ولا يجوز.
• • •
ثانيا؛ علاقة المصرف المركزى والدولة: مصرف لبنان الجديد سيكون أداة بيد الحكومة عبر سياسة نقدية مهمتها مزدوجة. الأولى، الحفاظ على القوّة الشرائية لليرة اللبنانية؛ والثانية، تنمية القطاعات الاقتصادية وفقا لخطة تضعها الدولة وليس المصرف المركزى فى توزيع الدعم والتسهيلات المالية للقطاعات الإنتاجية. وفى مرحلة إعادة البناء تكون القوّامة للمهمة الثانية بينما فى رأينا ليس من الضرورى وجود تناقض بين المهمتين. كما أن مهمة مصرف لبنان هى فى حصر التداول النقدى فى لبنان بالليرة اللبنانية وليس بأى عملة أجنبية أخرى. فالتبادل الداخلى لا يحتاج إلى عملة أجنبية والتعامل مع الخارج يجب أن يخضع لقيود وضوابط صارمة تضمن مصلحة لبنان الاقتصادية والمالية. لذلك يجب إلغاء مكاتب صرف العملة وحصرها فى المصارف الوطنية كما يحصل فى معظم بلدان العالم. فهذا الاجراء يمنع امتلاك عملة أجنبية عند المواطن اللبنانى أو المقيم فى لبنان.
• • •
ثالثا؛ إعادة النظر فى مفهوم الكتلة النقدية: الاقتصاد النقدى يجعل الكتلة النقدية مؤلّفة من مكوّنين أساسيين: المكوّن الأول هو العملة المطبوعة والمكوّن الثانى إجمالى الودائع القصيرة الأجل أى تلك التى لا تتجاوز مدّتها السنة. الودائع قصيرة الأجل هى جزء من الكتلة النقدية لأنه يمكن تسييلها فى أى لحظة واستعمالها فى تمويل التبادلات التجارية والتعاقدية. فوديعة المواطن فى المصرف لأجل أقّل من سنة لا تُعتبر حساب توفير بل نقودا يحفظها المصرف لصالح المودع ويصرفها عندما يريد المواطن لتسديد نفقاته. هذا من باب النظرية التى تُعرّف بالكتلة النقدية. لكن ما حصل فى النظام الرأسمالى وفى ضوء تطوّر الاقتصاد الوطنى وتعقيدات العلاقات بين العملاء الاقتصاديين هو تطوّر مفهوم الودائع القصيرة الأجل لتظهر فى أكثر من تشكيلة واحدة. فهناك ودائع الشركات، وهناك ودائع المؤسسات المالية الكبرى، وهناك ودائع حسابات التوفير، أى التى تكون مدّتها أكثر من سنة، حيث أصبح مفهوم الكتلة النقدية أوسع.
فى معظم الدول المتقدّمة لا تتجاوز نسبة النقود المطبوعة 12 بالمائة كما هو الحال فى الولايات المتحدة. هذا يعنى أن معظم الكتلة النقدية هو من «صنع» النظام المصرفى برمّته، أى خارج السيطرة والتحكّم المباشر للدولة. صحيح أن للدولة، وفى هذه الحال المصرف المركزى، أدوات تستطيع أن تؤثر فى توجّهات الكتلة النقدية كسياسة بيع وشراء سندات الخزينة والفائدة ونسبة الاحتياط لدى المصارف إلاّ أنه فى آخر المطاف تفقد الدولة سيادتها المطلقة على الكتلة النقدية وتكتفى بصك العملة.
أهمية ذلك الواقع يدفعنا للتفكير بهوية النظام المصرفى المطلوب لنهضة اقتصادية فى لبنان. لقد برهن القطاع الخاص فى النظام المصرفى اللبنانى أنه غير جدير لا على الصعيد المهنى ولا القانونى ولا الأخلاقى بأن يكون عاملا فى إعادة إعمار لبنان. نقترح بكل وضوح أن النظام المصرفى اللبنانى الجديد يكون بيد الدولة عبر شبكة من المصارف المختصة بالقطاعات الإنتاجية. أما القطاع المصرفى الخاص فدوره يكون فى تمويل التجارة والاستهلاك الخاص والقطاعات التى لا تشكّل مرفقا استراتيجيا فى البنية الاقتصادية اللبنانية. ونعى جيّدا أن هذا النوع من النظام المصرفى يخالف الثقافة الموروثة من حقبة الاستعمار والتبعية للخارج كما أنه يخالف ما يُسمّى بـ«سمات الاقتصاد الحر» الذى يفتقد إلى الحرّية بل يشكّل بنية احتكارية لطبقة محدودة من الشعب اللبنانى ويساهم فى تعميق الاقتصاد الريعى. وبالتالى سيكون قبول قوّامة الدولة على القطاع المصرفى ساحة جدل ساخن لكن فى آخر المطاف ليس هناك من يستطيع أن يرافع عن دور إيجابى كبير للقطاع الخاص فى النظام المصرفى اللبنانى.
الكلام حول كفاءة الدولة وعن الفساد فيها هو نفس الكلام الذى يمكن توجيهه للقطاع المصرفى الخاص بعد التجربة التى أوقع لبنان فيها. فإذا خُيّر المرء بين «فساد» الدولة أو «فساد» القطاع الخاص فربما الكفّة ستميل إلى صالح الدولة لأنه يمكن التأثير بالدولة ولكن من الصعب التأثير فى سلوك القطاع الخاص إلاّ قسرا.
من جهة أخرى، لا نعتقد أن لبنان بحاجة إلى عدد كبير من المصارف كما هو الحال الآن. فاقتصاد بلاد الحرمين يقارب 600 مليار دولار ونظامه المصرفى لا يتجاوز عدد المصارف العاملة من وطنية وأجنبية 12. فماذا يبرّر العدد الكبير لمصارف صغيرة نسبيا ولا تساهم فى بناء اقتصاد إنتاجى؟
لذلك ندعو أن لا يتجاوز عدد المصارف أصابع اليد فى أحسن الأحوال.
• • •
رابعا؛ السياسة النقدية: السياسة النقدية فى مرحلة إعادة البناء واستنهاض الطاقات الإنتاجية فى لبنان يجب أن تكون موجّهة إلى دعم القطاعات الإنتاجية. هذا يعنى أن حركة الرساميل والمدخرات يجب أن تكون داخل الإطار الجغرافى اللبنانى ما يفرض على الدولة فرض رقابة على حركة رءوس الأموال الوطنية. فتجربة نظام مصرفى اعتمد الفوائد المرتفعة على الودائع بحجة «جلب الرساميل» وتثبيت سعر الصرف تجاه العملات الأجنبية لم يأتِ بأى استثمار إنتاجى. فلماذا يقوم العميل الاقتصادى بمخاطرة طالما الفوائد المرتفعة على الودائع تؤمّن له دخلا دون مخاطرة؟
السياسة التى اعتمدتها الدولة اللبنانية فى حقبة اتفاق الطائف قتلت القطاعات الإنتاجية عبر توجيه الاستثمارات إلى سندات الخزينة. لم يكن هناك أى مبرّر اقتصادى لفرض فوائد مرتفعة سواء لمنفعة أصحاب الرساميل الوطنية التى أصبحت رساميل ريعية وأصحاب رساميل عربية مرتكزة فى اقتصاداتها على بنى اقتصادية ريعية بامتياز.
لبنان ليس بحاجة إلى ذلك النوع من الرساميل التى تودع فى المصارف ولا توظّف فى القطاعات الإنتاجية. كما أن فتح حرّية حركة الرساميل من الخارج إلى الداخل اللبنانى تفتح مخاطر كبيرة كالمضاربات الخارجية كما حصل فى الأسواق الناشئة فى شرق آسيا فى النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى. فالرساميل الساخنة لا تنفع لبنان بل تشكّل تهديدا لاستقراره. السوق المالية فى لبنان ما زالت محدودة ولا تبرّر مجىء تلك الرساميل. فالسياسات التى اعتمدت فى حقبة الطائف والقائمة على اجتلاب الرساميل تبينّ أنها لم تكن للتوظيف أو الاستثمار فى الاقتصاد اللبنانى بل ربما لتدوير أو تبيض رساميل خارجية مصدرها مجهول إلاّ لقلّة من العارفين.
لذلك لا بد من ضبط حركة الرساميل داخل لبنان ومن لبنان وإلى لبنان. كما نؤكّد على التنسيق مع سوريا والعراق والأردن وفيما بعد مع فلسطين المحرّرة ككتلة جغرافية اقتصادية واحدة. والتنسيق لا يقتصر على البنى التحتية بل أيضا فى القطاع المصرفى والنقدى.
• • •
خامسا وأخيرا؛ العلاقة مع المؤسسات المالية الدولية: لا بد من إعادة النظر فى التعامل مع ما يُسمّى بالمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى والمصرف الأوروبى للاستثمار وسائر المؤسسات المالية التابعة للحكومات الغربية. فهذه المؤسسات أجهضت دور المصارف التنموية فى الدول الناشئة وألغت المفهوم التنموى لتحويله لخدمة الاقتصادات الغربية. وإعادة النظر فى تلك المؤسسات ليست مبنية فقط على الشروط التى تضعها فى توجيه السياسات الاقتصادية والمالية بل أيضا فى حجم «المساعدات» التى هى قروض لها الأفضلية على القروض الوطنية أو الخارجة عن إطار سيطرة تلك المؤسسات.

النص الأصلي

التعليقات