الكِتاب - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 11:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكِتاب

نشر فى : السبت 22 يوليه 2017 - 9:00 م | آخر تحديث : السبت 22 يوليه 2017 - 9:00 م

حديثنا اليوم قديم حديث ومتشعب سنحاول أن نتلمس بعض جوانبه التي تفيد في بناء مجتمع علمي، ولا نقصد بالمجتمع العلمي مجرد مجتمع له عدد كبير من براءات الإختراع والأبحاث العلمية والجوائز العلمية المرموقة لأنه قد يكون في مجتمع ما مجموعة صغيرة من العلماء تحقق هذه الأشياء وبقية المجتمع يسبح في بحر من الجهل، قد تسأل كيف يجتمع هذا وذاك؟ هذا قد يحدث (وإن كان ليس سهلاً) إذا وجهت دولة ما بعض مواردها لهذه المجموعة الصغيرة من العلماء حتى يحققوا هذه الأهداف ووجود وسائل الإتصال مع بقية العلماء في العالم والحصول على الأبحاث الحديثة في وقت قصير يجعل ذلك ممكناً ويظهر المجتمع كأنه مجتمع علمي والحقيقة غير ذلك، نجد أمثلة كثيرة على ذلك في الألعاب الرياضية مثلاً حيث تكون دولة ما حاصدة لبطولات لعبة ما ولكن شعبها يعيش في جهل وفقر وإذا تتبعنا التاريخ سنجد الكثير من العلماء قد أنتجوا الكثير في أوقات الجدب والحروب، إذاً وجود مجموعة صغيرة من العلماء تنتج الكثير في مجتمع ما هو وإن كان شيئاً محموداً طبعاً إلا أنه ليس كافياً لصناعة مجتمع علمي، المجتمع العلمي هو مجتمع يفكر بطريقة علمية منطقية في جميع مناحي حياته من أول كيفية تدبير ميزانية المنزل وحتى أمن الدولة القومي وحتى يتسنى لنا هذا يلزم الكثير من الخطوات أولها: القراءة.

لم أشأ أن أعنون مقال اليوم بعنوان "القراءة" لأنه أولاً قد تم استخدامه في الكثير من مقالات النصح حتى مله الناس فلا أحد يريد مقالاً يذكرك بأهمية القراءة و أثرها و ... و ... ، ثانياً مقال اليوم ينظر للقراءة ليس فقط من حيث أهميتها ولكن أيضاً من حيث أدواتها وأهم أدواتها هو الكتاب.

من أهم ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات على الأرض هو تراكم الخبرات فكل جيل يترك خبراته للأجيال التي تأتي بعده ليستفيد منها ويطورها، هذا التراكم للخبرات قد بدأ بالذاكرة ثم تطور إلى الكتابة وهنا كانت القفزة الكبرى لأن الذاكرة ليست الأنسب لنقل الخبرات، الكتابة إنتقلت من الكتابة على الجدران إلى البرديات (أو الجلود) ثم الكتب وكانت قفزة أخرى كبيرة لأن الكتب تخزن الكثير ويسهل نقلها من مكان إلى آخر ومن ثم من عقل إلى آخر، واستمر التطور حتى وصلنا إلى عصر الكمبيوتر حيث أصبح كل شئ يخزن في ذاكرة الكمبيوتر ومن ثم على شبكات الإنترنت وظهرت الكتب الإلكترونية حيث صاحب الكلمة الصوت والصورة ويمكن أن يصلك كتاب إلكتروني ما بمقال في مكان آخر أو فيديو في مكان ثان أو كتاب آخر في مكان ثالث فأصبحت المعلومات متصلة والأخبار تأتي على الهواء مباشرة ولا شئ يُنسي على الإنترنت وكانت قفزة أكبر من سابقيها ... وفي كل قفزة من هذه القفزات يتطور المجتمع علمياً وحسب قوة وتأثير القفزة يكون التطور، لهذا ظهرت مقولات مثل أن 90% من العلماء في التاريخ مازالوا أحياء (أي أن عدد العلماء الآن أكثر بكثير من ذي قبل) أو أن المعرفة البشرية تتضاعف كل 17 سنة (لم أجد دليلاً على هذه المقولات ولكن الهدف منها صحيح وهو زيادة الخبرات وتراكمها أصبح أكثر كثيراً من العصور السابقة)، هذا كله على المستوى العالمي أو النظرة العامة للأشياء ولكن هل نستفيد من ذلك على المستوى الشخصي خاصة وقد تحدثنا سابقا عن أهمية التعليم المستمر؟

كنا قد تكلمنا في مقال سابق عن القراءة العلمية وكيفية تحليل ما تقرأ كي تستفيد منه لذلك لن نكرر ما قلناه هنا وتكلمنا أيضاً عن الكتابة العلمية (للعامة) وأدبيتها فلن نكرره هنا ولكن السؤال اللذي لم نناقشه من قبل في هذه المقالات هو: ماذا نقرأ حتى نصبح مجتمعاً علمياً؟

دعني قبل أن أجيب على هذا السؤال أن أوضح لمن أتوجه بالإجابة؟ حالياً ولنكن واقعيين توجد شريحة كبيرة من مجتمعنا ليس لديها الوقت والشغف والمال للقراءة لأنهم إما مطحونون في طلب الرزق أو ليس لديهم التعليم والتدريب الكافي للقراءة الواعية أو لم ينموا شغف القراءة منذ سن صغيرة لذلك أتوجه بهذا المقال لشبابنا في المرحلة الثانوية والجامعية وباحثينا في الدراسات العليا ومراكز الأبحاث: ماذا نقرأ؟

أجد على مواقع التواصل الإجتماعي الكثير من "الخناقات" عندما يناقش الناس قراءة الروايات الأدبية، هناك من يقول أنها تضييع للوقت ولا نستفيد منها شيئاً وعلى الجانب الآخر هناك من يقول أنها ترقى بالمشاعر وتجعلك تكتسب خبرات حياتية لم تعشها ... دعنا ننظر إلى الموضوع بتمعن: قراءة الروايات الأدبية (الرفيعة) والتفكر فيها بعد ذلك ستعطيك خبرات فعلاً ولكن قراءة الروايات لمجرد تمضية الوقت والتسلية وكفى فهي ليست قراءة ولكن مثلها مثل مشاهدة مباراة رياضية ... مجرد تمضية للوقت لأنك لن تستفيد شيئاً (فأنت لم تلعب الرياضة) ... إذا قراءاة أدب رفيع (وسأترك تعريف كلمة رفيع لمن هم أقدر مني في المجال الأدبي) وبعد الإنتهاء من رواية ما تمضي بعض الوقت في التفكير في الأسئلة التي طرحتها أو التجربة التي حكتها (وقد تكتب ذلك لنفسك في دفتر يوميات أو ماشابه) مهم ومفيد جداً لأنه يجعلك تفهم الطبيعة البشرية أكثر وهذا يساعد على تخيل ماذا يحتاجه العالَم ليكون مكاناً أفضل وهذا دور قد تساعد فيه التكنولوجيا والتي تنبع من رحم العلم.... ولكن قراءة الروايات فقط لن يعطيك ملكة التفكير المنطقي والذي نحتاجه لبناء مجتمع علمي.

النوع الثاني من القراءات هي القراءات العلمية الموجهة للعامة في المجالات خارج مجال تخصصك (فأنت خارج مجال تخصصك تعتبر من العامة) لأن هذا يعطيك بعداً آخر عن كيفية تأثير العلوم على بعضها وتلك النظرة الفلسفية ستساعدك في تخصصك فكم من أفكار تفشل في تخصص ما وتنجح بشدة في تخصص آخر وكم من علم يؤثر على مجريات الأحداث في علم آخر.

هناك القراءة في تاريخ العلوم وسير العلماء وقد ناقشناهما في مقالين سابقين هنا وهنا.

ماذا عن القراءة في المجال السياسي والإقتصادي... إلخ؟ لهذا حديث آخر مستقبلاً.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات