أعلنت اللجنة العليا للانتخابات عن فرض غرامة قدرها خمسمائة جنيه، كعقوبة لمن يتخلف عن الإدلاء بصوته فى الاستفتاء على مشروع الدستور، وذلك وفقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية. وموضوع الغرامة ليس بجديد، إلا أنه يطرح هذه المرة بشكل أكثر وضوحا وتأكيدا من المرات السابقة، فيما يبدو كرد فعل للتخوف من ضعف الإقبال على التصويت، وهو تخوف فى محله إذ قد يحجم الناس عن الخروج للتصويت تحسبا لوقوع أعمال عنف أو قد يعزفون عن المشاركة لقلة الحماس للدستور، الذى لم تشهد عملية إعداده أى مشاركة شعبية كما حرمتنا الجلسات المغلقة من متابعة أعمال لجنة الخمسين، وانتهى الأمر بقراءته علينا بعد الانتهاء منه.
•••
الغرامة التى هى وسيلة ضغط صريحة تهدف إلى إجبار المواطنين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، لا تأخذ فى العادة حقها فى النقاش وربما لا يقدر الكثيرون أثرها على سلامة العملية الانتخابية. وأرى أن تعلق اللجنة العليا للانتخابات تفعيل هذه المادة، فيما يخص التصويت فى الاستفتاء القادم، مع ضرورة تضامن كل من يهمه أمر نزاهة الانتخابات وسلامة حقوق المواطن السياسية عموما، للمطالبة بتعديل القانون وإلغاء هذه المادة الجائرة.
السبب الأول لضرورة إلغاء الغرامة، يتعلق بحقوق المواطن السياسية؛ فالانتخاب حق كما أن طواعيته أيضا حق، وفرض عقوبة على التخلف عن التصويت، ينتقص من حق المواطن فى الاختيار، إذا ما قرر مقاطعة الانتخابات أو إذا ما قررت جماعة سياسية تبنى حملة للمقاطعة، وهى وسيلة مشروعة تماما للتعبير عن الرأى السياسى. كما أن درجة الإقبال على التصويت تعد مؤشرا مهما عند أى تقييم لشرعية العملية الانتخابية ومدى تمثيلها الحقيقى لجموع المواطنين، وعليه فإن مبدأ وجود عقوبة يخل بهذا المعيار المهم، ويقلل من قدر أهمية الإقبال المرتفع.
السبب الثانى وربما الأكبر أثرا أن الغرامة تؤثر على نزاهة الانتخابات من حيث إنها تمهد الطريق لعملية شراء الأصوات بشكل يصعب ضبطه والتحكم فيه. ربما يرجع استهتار العديد من السياسيين والمراقبين بقضية الغرامة إلى أنها لم تطبق أبدا بشكل فعلى، بل إنها فى الغالب غير قابلة للتطبيق، إلا أن التخويف باحتمال تطبيقها لم ينقطع، أبدا فكانت دوما أداة لحشد الأصوات خاصة فى المناطق الريفية، حيث تكون مراكز الاقتراع بعيدة عن مناطق سكن الغالبية العظمى من الناخبين، وتظهر هنا سطوة أصحاب الأموال والخبرة فى الحشد حيث ينشرون التخويف بالغرامة وفى الوقت ذاته يقومون بتوفير وسائل مواصلات سهلة إلى مراكز الاقتراع. ويصبح توفير وسيلة انتقال تؤمن الناس من احتمال الغرامة، أهم وأكثر انتشارا من الرشاوى الانتخابية الأخرى، خاصة أن تلك الخدمة ليس بها ما يشين ولا هى تنتقص من كرامة الناخب إذ هى لا تشمل بيع الصوت بشكل فج أو مباشر.
•••
الغرامة ليست مجرد نص قانونى تحتفظ به الدولة كسيف مسلط إلى جوار سيوف أخرى كثيرة، فالغرامة أيضا أداة نشطة للتخويف والحشد وتزوير الإرادة كما أنها منافية لمبادئ الحرية وحق المواطن فى الاختيار.