شرفت يوم الخميس الماضي بحضور صالون أمير الشعراء أحمد شوقي المقام في بيته بالجيزة والمسمى بكرمة بن هانئ (وحالياً هو متحف أحمد شوقي) وذلك بدعوة كريمة من مدير الصالون الشاعر والناقد الدكتور السيد العيسوي عبد العزيز لإلقاء كلمة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية بعنوان "اللغة العربية والعلم في القرن الواحد والعشرين" فأحببت أن أشارك القراء هنا هذه الكلمة والأفكار التي دارت برأسي أثناء التحضير لها.
يجب أن نعترف أن لغة العلم في عصرنا هذا ومنذ الحرب العالمية الثانية هي اللغة الإنجليزية (وقد كانت الألمانية من قبل)، ما هو دور اللغة العربية في الحياة العلمية الآن؟ قد يكون من الأسهل كثيراً الإجابة على هذا السؤال بالنسبة للأدب والفن، قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نحدد الجمهور الذي نعنيه هنا، نحن هنا لا نوجه كلامنا للعلماء المتخصصين فهؤلاء لن يستطيعون التقدم في أبحاثهم دون الإلمام الكامل باللغة الإنجليزية على الأقل، كلامنا موجه للعامة من الناس خاصة الذين لا يجيدون لغة أجنبية.
هؤلاء العامة سيستفيدون جداً من تقديم العلم له بصورة ميسرة وباللغة العربية، هذا العلم المقدم بلغتهم الأم لن يجعلهم علماء فهذا ليس هذا هو الهدف ولكن الهدف أن القراءة عن العلم والإكتشافات العلمية تساعد على تنمية التفكير النقدي وهذا ما يحتاجه الناس في كل أحوال حياتهم، قبل أن نتجاوز هذه النقطة أحب أن أرشح للقراء كتاب "المغالطات المنطقية" للدكتور عادل مصطفى والذي نشره المجلس الأعلى للثقافة سنة 2007 وكتاب "قواعد التفكير المنطقي" الذي نشره مركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث سنة 2015... التفكير النقدي والمنطقي يساعدك على إتخاذا قراراتك في الحياة بطريقة أفضل وهي طريقة تفكير تنمو بالممارسة وهذه الممارسة هي قراءة الكتب العلمية المكتوبة بلغة عربية راقية وبطريقة سهلة وشيقة في الوقت نفسه.
إذا توافرت الكتابات العلمية بلغة عربية سهلة وشيقة فإن ذلك سيجذب جمهوراً أكبر ويجعل عدد من يهتمون بالعلم أكثر وهذه خطوة كبيرة جداً نحو بناء مجتمع علمي وحيث أن العلم هو وقود التطور والتطور العلمي هو قاطرة الاقتصاد، بناء الثقافة العلمية إذا هو نواة لمشروع وطني كبير ومهم جداً، بالإضافة إلى أن شغل وقت شبابنا بالقراءة العلمية أفضل كثيراً من شغل وقتهم فيما لا يفيد.
هناك نقطة مهمة قد لا ينبه لها الكثيرون وهي أن القراءة العلمية تساعد أيضاً الأدباء، الأديب الذي يعرف مثلاً بعض المعلومات عن علم النفس قد يساعده ذلك على بناء شخصيات رواياته كذلك من قرأ في علم الاجتماع ناهيك طبعاً عن كتاب الخيال العلمي، العلم والأدب يكمل بعضهما بعضاً ولنا أن نتذكر المناظرة التاريخية بين الدكتور علي مصطفى مشرفة والدكتور طه حسين عن أهمية العلم للأدب وأهمية الأدب للعلم والجميل في تلك المناظرة الفكرية أن الدكتور مشرفة كان يتحدث عن أهمية الأدب للعلم والدكتور طه كان يتحدث عن أهمية العلم للأدب!
العجيب في أمر اللغات أنك قد ترى من يتحدث بكلمات أجنبية وسط حديثه بالعربية ليظهر رقية وعلو شأنه لمن حوله، هذه "المنظرة" لا تدل فقط على ضعف في الشخصية ولكن أيضاً على ضعف المنطق، هل تقدم الغرب لأنهم يتكلمون الإنجليزية؟ أو الفرنسية؟ أو الألمانية؟ بالطبع لا ... فلم إذاً نحس بعقدة نقص أمام اللغات الأجنبية؟ هل تعلم أن تعلم قواعد اللغة العربية أصعب من لغات كثيرة وإنك إذا أتقنت العربية يصبح سهلاً عليك إتقان قواعد لغات أجنبية أخرى؟ وقبل أن نتجاوز تلك النقطة أحب أن أرشح للقراء كتاب جميل إبتعته منذ أيام قليلة بعنوان "الأخطاء اللغوية الشائعة في الأوساط الثقافية" لمحمود عبد الرازق جمعة ودار النشر بتانة.
من لا يتقن العربية ولا يتقن لغة أجنبية فماذا يتقن؟ قد نقول العامية ولكن الواقع أسوأ لأن حتى العامية ستتدهور إذا لم تهذبها قواعد لغة راقية كالعربية وستصل إلى ما نراه اليوم في كثير من الكتابات (عليك فقط القيام برحلة حول بوستات الفيسبوك!) بل وستؤثر على الفن وسيؤدي ذلك إلى فساد الذوق العام والذي سيؤدي بدوره إلى فساد الأخلاق .... فهل هذا ما نريده؟