كتب الأديب الطبيب محمد المخزنجى فى عدد 22 يوليو من جريدة الشروق مقالا بديعا كالعادة بعنوان «جون فى الجونة». أعجبنى المقال بشكل خاص لعدة أسباب منها أننى مثله أحب الجونة وأراها كما يراها «لوحة رائعة». واعتبرتها تحية مستحقة تلك التى وجهها للمهندس سميح ساويرس منشئ الجونة.
ظنى أن المخزنجى سيتعجب وقد يغضب أيضا لو زار الموقع الإلكترونى للمشروع الجديد للمهندس ساويرس، والذى تتوسط صفحته الرئيسية بندقية صيد وأنا أستجير به الآن لما ألمسه فيه من حس إنسانى رفيع ونفور من كل ما هو وحشى ولما أعرفه عنه من تقدير للكائنات الحية بشرية كانت أو حيوانية..
المشروع يدعى «بيوم» Byoum (الاسم القديم للفيوم) و هو قيد الإنشاء على الساحل الجنوبى لبحيرة قارون.
وبحيرة قارون محمية طبيعية خاضعة لقانون رقم 102 لسنة 1983 فى شأن المحميات الطبيعية والذى يحظر «القيام بأعمال أو تصرفات أو أنشطة أو إجراءات من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة الطبيعية، أو الإضرار بالحياة البرية أو البحرية أو النباتية أو المساس بمستواها الجمالى بمنطقة المحمية» كما يحظر على وجه الخصوص «صيد أو نقل أو قتل أو إزعاج الكائنات البرية أو البحرية أو القيام بأعمال من شأنها القضاء عليها».
ومن المفترض أن مناطق المحميات تخضع لقواعد صارمة فيما يخص ما يسمح بإقامته من منشآت سياحية أو تجارية أو غيرها. على الأقل هذا ما ينص عليه القانون. ومن المفترض أيضا أن أى أنشطة سياحية لو سمح بها تكون فى إطار «السياحة البيئية» ولها أيضا مواصفاتها الخاصة ومعاييرها الدقيقة. لا ينطبق هذا بأى حال من الأحوال على المشروع الضخم الذى يتضمن عددا من الفيلات الفاخرة وفندقا خمس نجوم ورصيفا بحريا واستراحة صيد. ولا بد أن المشروع قد حصل على جميع التصاريح والترخيصات اللازمة وفى هذا يساءل أولا جهاز شئون البيئة.
أما أغرب ما فى الموضوع والأمر الأكثر استفزازا هو اختيار بندقية صيد الطيور كشعار للمشروع فى منطقة هى ليست فقط محمية طبيعية ولكنها مصنفة كإحدى «المناطق المهمة للطيور» (Important Bird Area). البندقية ليست فقط هى الصفحة الرئيسية للموقع الإلكترونى ولكنها توسطت أيضا لوحة إعلانات كبيرة ظلت معلقة فوق كوبرى 6 أكتوبر لفترة طويلة.
وصيد الطيور يمثل ركنا أساسيا من المشروع وحملته الترويجية فموقع المشروع يتوجه إلى صائدى الطيور فيقول بالإنجليزية (ولمزيد من الإثارة تعال لتعش مغامرة الصيد وسط الهدوء المتناهى للطبيعة، ثم استرخِ فى «استراحة الصيد» بينما تستعد لرحلة صيد جديدة)..
وهناك أيضا داخل أحد المطبوعات الدعائية صورة رجل يصوب بندقيته نحو سرب من الطيور فوق البحيرة وقت الغروب، وتحتها تعليق أن بحيرة قارون هى المكان الأمثل لصائدى الطيور لطبيعتها الساحرة ولغناها بالحياة البرية.
وهل سيتبقى شىء من الهدوء المتناهى للطبيعة أو من الحياة البرية الغنية إذا تحولت البحيرة إلى مرتع لممارسى هذه الهواية البربرية؟ المنطقة أساسا مقصد لهواية أرقى بكثير وأكثر إنسانية وهى هواية مراقبة الطيور.. وأعتقد أن هناك تعارضا أساسيا بين الهوايتين. كنت أتوقع من المهندس سميح ساويرس ــ و لو من باب ذر الرماد فى العيون ــ أن يكون شعار مشروعه المنظار وليس البندقية. شعار البندقية لا يستقيم مع المحمية وهو استخفاف ليس فقط بالبيئة وإنما بالقانون أيضا.