يمضى عيد الأم بكثير من التهانى والتبريكات والورود والحلوى، ما إن ينتهى اليوم حتى تعود الحياة إلى طبيعتها القاهرة أو هو كما كل الأعياد والاحتفاليات بالأيام الدولية مثل عيد الحب ويوم المرأة العالمى. كل تلك الاحتفاليات لا تمكث طويلا كلها ترحل أو تتبخر بفعل روتين الحياة اليومية أو للاستسهال فى الاكتفاء بتقدير الأم أو المرأة ليوم واحد فى العام.. ثم ما تلبث أن تعود الأم والزوجة إلى أدوارها التقليدية تتحمل الكثير من التعب والمسؤوليات وأيضا اللوم والعتاب والسهر والسهد والقلق ... لا دور هناك كثير التعقيد والتعددية كدور الأم فى مجتمعاتنا التى أبقيت بكثير من التمسك بدور الام التقليدى جدا حتى يبالغ البعض ليقول انه فى سقوط هذا الدور انهيار لمجتمعاتنا وكأنها لم تنهار بعد تحت غطاء الفئوية والجهوية والطائفية والتقسيم التقليدى القاتل للأدوار !!
•••
فى ٢١ من الشهر الثالث من العام يبدأ اليوم بصباح فائزة أحمد تردد «ست الحبايب» بقيت تلك الأغنية كما الكثير من الأغانى المعتقة فى التاريخ الحقيقى جدا للحب الحقيقى جدا... كلما قالت فائزة "يا اغلى من روحى ودمي" تفتح العين أبواب الدمع ولا تتوقف حتى آخر «كوبليه» من الأغنية. لهذه الأغنية وقع السحر على القلوب حتى الأكثر قساوة منها.. تعيد ذكرى تلك التى رحلت سريعا لم نعرف كيف ومتى نودعها سابقها المرض وسرق الوردة التى تفتحت فى بساتين البحرين.. تلك التى عند رحيلها لم يعد للدفء معنى وفى غيابها كثير من الحضور رغم أن السنين قد أسرعت الخطى. لا تزال رائحتها تلف المنزل القديم ليس فى عيدها.. عيد الأم بل وفى كل يوم ولحظة هى التى تستحق أن يحتفى بها الكون فى كل صباحاته لأن لصباحاتها معنى آخر، لأنها زرعت الكثير ولم تلحق حتى لتقطف ثمار زرعها النقى.. أصبحت كل المناسبات مكان للاحتفاء بها وفى أوقات الحزن الموجع والفرح النقى تبقى هى الأكثر حضورا.. هى التى تلازمه صورتها مع أغنية فائزة هى ست الحبايب وتاج القلب.. هى التى جعلت حتى للماء طعم الشهد عندما مزجته بقليل من ماء الورد أو ماء اللقاح (عادة كثير من بيوتات الخليج عندما تطعمهم النخلة حتى مائها ولقاحها)..
•••
هى التى حولت كل الأعياد إلى شكل من الطقس العذب يبدأ برائحة كعكها الذى تعجنه بيديها الغنيتين بالعطاء الدائم ثم تخبزه فى فرنها وتنشر رائحته فى كل غرف البيت العتيق. تعود لتتحرك فى كل مكان به تمنحه شيئا منها لتستقبل فيها كل العائلة من الأكبر حتى الأصغر وتمنحهم جزءا من قلبها المتسع لكل الكون..
هى التى حملت أطفالها الخمسة واحدا خلف الآخر منذ أن كانوا يحبون حتى كبر كل واحد وراح يتسابق مع رياح الكون، لم تترك مكانها حتى آخر نفس لتكون قلب العائلة و القاعدة الصلبة لذلك البيت الذى بكى مع كل الباكين فى وداعها وبقى يخبئها هنا وهناك تطل من كل ركن.. هنا كانت تحتسى شاى الصباح وهناك كانت تحضر الغداء وفى تلك الزاوية تحديدا كانت تجلس تنتظرهم فردا فردا لتوصد الباب وتمنع عنهم حتى النسمة التى قد تأتى بالمرض أو التعب..
•••
ألا تستحق أن يحتفى بها فى كل نفس ليس فقط من حملتهم فى بطنها بل كل من عرفت أو تلامست حياته بحيواتها المتعددة.. أليست هى الأجدر بأن تبقى حاضرة فى كل تفاصيل اليوم.
ترسل بنصحها المتعمق فى التجربة رغم قلة التعليم.. هى من ذاك الجيل من النساء اللاتى رحلن سريعا عن هذه الأرض عندما تحولت المرأة إلى وعاء للإنجاب وجهاز للغسل والطبخ وتلقى الصفعات حتى الرمزية منها.. أليس من الأحق أن نحتفى بها وبهن فى كل يوم كما هن نساء بلدى الباقيات.. القابضات على الجمر.. المتعمدات بالحب.. ناثرات الفرح يوزعنه بالتساوى دون تمييز ولا كلل ولا تعب.
لهن كل الأيام أو لا معنى لذاك اليوم.