بعد شهرين بالكمال والتمام من حادث دهس الناس بسيارة فى وسط لندن فى شهر مارس الماضى، انتقل الإرهاب إلى «مانشستر» فى شمال بريطانيا بحادث أكثر دموية استهدف الحاضرين لأحد الحفلات الموسيقية مساء أمس الأول أوقع – حتى الآن ــ اثنين وعشرين ضحية، فضلا عن أكثر من خمسين مصابا. لم تعلن أية جهة ــ حتى كتابة هذه السطور ــ مسئوليتها عن الحادث، ولكن أصابع الاتهام تشير إلى تنظيم «داعش». فقد رصدت الأجهزة الأمنية البريطانية ــ حسب ما ورد فى صحيفة ديلى ميل ــ رسالتين مجهولتين على «تويتر» تنبئان بالحادث، فضلا عن رسائل احتفاء من جانب بعض المتعاطفين عقب حدوثه، الذين أثنوا على العملية الإرهابية. فقد ذكر أحدهم أن قنابل القوات الجوية البريطانية التى تسقط على أطفالنا فى الموصل والرقة جاءت إلى «مانشستر». وآخر ذكر أن العمليات امتدت من بلجيكا وفرنسا إلى بريطانيا فى إطار إنشاء الدولة الإسلامية.
بالطبع الأجهزة الأمنية البريطانية بطبعها حذرة، ولا تتسرع فى الوصول إلى نتائج، ولا تصدر تصريحات سريعة، فهى مدربة بدقة، وتتبع المعلومات لديها، ولاسيما أنها تلقى القبض يوميا فى المتوسط على شخص مشتبه به. ولابد أنه من بين الأسئلة التى يجرى البحث فيها أسباب اختيار «مانشستر»، تلك المدينة الإنجليزية العريقة، لهذا العمل الإرهابى. فهى تحوى ثانى أكبر مطار بعد لندن من حيث الازدحام والحركة بخاصة أنه يخدم شمال بريطانيا برمته. ومن هذه المدينة انطلقت الثورة الصناعية فى أوروبا الغربية، وظهر فيها «كارل ماركس» مؤسس الشيوعية، ولديها حضور ثقافى وتعليمى مهم، فهى تحوى عددا من أهم الجامعات فى بريطانيا، ويعرف العالم اسم هذه المدينة الانجليزية أكثر من غيرها من فرق كرة القدم ذات الشهرة «مانشستر يونايتد» و«مانشستر ستى».
حدوث هذه العملية المروعة، التى طالت أسرا بأكملها، ومن بينهم أطفال وشباب، لحظة مغادرتهم قاعة الاحتفالات، قد تكون نتاج قنبلة زرعت فى المكان أو عمل انتحارى، لكنها تؤكد على عدد من النقاط الأساسية: انتشار الخلايا الإرهابية فى المدن الأوروبية، التى تبدو أكثر أمانا من غيرها، وهو ما يعزز أهمية التعاون فى مواجهة الإرهاب ليس فقط على المستوى الأوروبى، ولكن أيضا دوليا. المسألة الثانية، التأكيد على أهمية مراجعة السياسات الأوروبية تجاه قضايا تتعلق بالأمن، مثل فتح الباب أمام عناصر متطرفة تفد إليها من بلدان أخرى سواء تحت لافتة «حقوق الإنسان»، والتى تعتقد أنها قد تكون فى ذاتها «ورقة» مهمة فى علاقاتها بحكومات الدول التى تنتمى إليها، المسألة الثالثة قد تترتب على توالى هذه الأحداث ردة فعل أكثر احتقانا فى مواجهة المهاجرين، وبروز التيارات الأكثر معاداة لهم، وتصاعد النظرة السلبية تجاه المسلمين، أو ما يعرف باسم «إسلاموفوبيا».
هذه العملية تثبت أن الأسئلة الاستفهامية ــ الاستنكارية التى وردت فى خطاب الرئيس السيسى فى الرياض منذ أيام مهمة: من يمول؟ من يساعد؟ من يساند؟ من يعالج؟، الإرهاب ليس الانتحارى فقط، فهذا الفصل الأخير فى الرواية، ولكن فصول الإعداد، والتجهيز عادة ما تكون غائبة رغم أهميتها القصوى!