فى كل سنة تبدو وكأنها المرة الاولى.. هو القادم فى كل عام فى الموعد ذاته لا يتأخر ولا يتقدم إلا احيانا وخاصة الآن والمسلمون قرروا التناحر فيما بينهم ورفعوا السيوف فى وجه بعضهم بعضا واقفلوا القلوب على غضب عارم!!!.. هنا عندما افترقوا اكثر اختلف البعض فى اليوم الأول من هذا الشهر.. ولكن المثير حقا هو الحملة الدعائية التى تسبقه وتنتهى مع آخر ليلة له.. عند اقترابه يبدأ التدافع على تخزين الغذاء وكأنه كرنفال للأكل وكل ما لذ وطاب رغم أن السمة العامة له وحوله والحكمة منه هى الامتناع عن كل ما هو بعيد عن العبادة والاقتراب من الله..
●●●
قبل يومه الأول تتحول محطات التلفزة واللافتات فى الشوارع وحتى فى المحال وكل الفضاءات العامة والخاصة الى مساحة لنشر الحكمة حول التسامح والمحبة والعدل والاخاء.. كل القيم التى جاء من أجلها الدين الإسلامى بل كل الاديان السماوية منها وغير السماوية، فهى جميعا تحث على حب الآخر وعلى نشر المحبة والحب.. تبدأ الحملة فى الإكثار من هذه العبارات حتى تفقد الكثير منها معناها ففى الممارسة اليومية كثير من العداء للآخر والكراهية وعدم التسامح وكله تحت حجة «إنى صايم» بمعنى اذا شتمك احدهم لأنك تأخرت فى التحرك بعربتك فى طريق قد تكدست العربات على طرفيه، فإن حجته أو حجتها انه أو انها صائمون ولذلك فلا يستطيعون تحمل أى ضغط على الاعصاب.. وهنا نتساءل: أين التسامح والمحبة والاخاء اذن؟ تلك التى تنتشر على محطات وفضاءات الكون اينها كلها؟
ولا يمكن أن تحبس السؤال الآخر هل الدين هو لشهر فى العام وهل هو يحث على كل هذه القيم الانسانية الرائعة لمدة شهر فقط ومن ثم فليعم الفساد والدمار؟ شئ ما يبدو مغلوطا فى فهم الدين لدى هذه الأمة حتما وهناك من رجال الدين من هم اكثر قدرة على تحليل الاسباب التى أدت الى كل هذه الاشكاليات المرتبطة بالشكل فقط والتى حولت الدين الى مظهر دون جوهر!
●●●
شهر رمضان هو الآخر كما هى معظم المناسبات الدينية الكثيرة ليس فقط لدى المسلمين ولكن لدى الاديان الاخرى قد تحولت مع الوقت الى شهر للترويج للاستهلاك فى كل شئ من قمر الدين حتى المحبة.. كلها قابلة لتحويلها الى بضاعة مع بعض التجميل هنا وهناك.. حتى الدروس والمواعظ الدينية التى تكثر منها الفضائيات هى الأخرى قد اخذت فى التنوع مع تنوعات «الموضة» بدل أن يكون رجل ملتح فى الاستديو يقدم الكثير من الوعيد وينشر الرعب والتخويف بدلا من كل ذلك تقدم بعض الشباب بأشكال اكثر تقبلا لدى الجيل الجديد لفهم الدين وحثهم على فهم قيم الدين.. يعيد السؤال اللعين القفز السريع ليطرح نفسه «لماذا كل ذلك فى هذا الشهر فقط؟» لماذا لا يستمر ذاك الشاب فى حملته الترويجية ـ أليس هذا المسمى الأدق لتوصيف برنامجه ـــ طوال العام حتى يستوعب الشباب المسلم قيم الإسلام بدلا عن الجلوس فى جوامع نائية تنشر الكراهية وتوزع الاحزمة الناسفة على كل شاب قادم.. لماذا ؟ ربما لأن نفس تلك المحطات وقبلها ملاكها وحكوماتهم قد تفننوا لسنين طويلة فى فتح الفضاءات على مصاريعها لمن نشروا فهمهم المغلوط للدين.. هم انفسهم من تركوا غلاظ القلوب ومكفهرى الوجوه يملأون شاشات التلفزة من الخليج الى الخليج يتحدثون بفهم ضيق للدين لا يبعد فى كثير من الاحيان عن التخويف بدلا من فهم التسامح والمحبة.
●●●
شىء ما فى رمضان قد حوله الى اكبر شهر للاستهلاك لدى المسلمين وهو الموسم فى العام الذى يغسل البعض من اخطائه على شماعة الزكاة والتبرعات للفقراء فيما يعود الجميع لما كان عليه فى الليلة الأخيرة قبل العيد حيث يوصد الباب بإحكام على هذا الشهر حتى العام القادم.. لم تترك ثقافة الاستهلاك شيئا من بقايا ذاك الشهر الذى كان شديد الالفة والمحبة والبساطة حيث يلتقى الكثير من البشر لا خوفا من جهنم ولكن حبا فى الدين الحقيقى الذى رسخ الكثير من الود ليس لفترة شهر فقط بل فى كل أيام العام!
كاتبة من البحرين