قرية فاقدي الذاكرة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الإثنين 23 سبتمبر 2024 9:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قرية فاقدي الذاكرة

نشر فى : الإثنين 23 سبتمبر 2024 - 7:05 م | آخر تحديث : الإثنين 23 سبتمبر 2024 - 7:05 م

بمرور سنوات العمر لا تعود ذاكرة الإنسان تحتفظ بكل ما فى جعبتها من تفاصيل. لعل تلك التفاصيل باقية فى الجعبة، لكن صاحبها يخفق فى الكثير من الحالات فى استعادتها خاصة حين يكون فى حاجة لتذكرها. الذاكرة ماكرة، فهى توقظ النائم منها فى اللحظة التى لم يعد الإنسان فى حاجة ماسة إليه، والمفارقة أن هذا التذكر يأتى بعد وقت قليل جدًا من اللحظة التى كان فيها المرء فى أمسّ الحاجة إليه، كأن يكون فى حديث مع أحدهم يحكى له خلاله حكاية عاشها أو مرّ بها.

تناقص الذاكرة أو ضعفها سمة عامة يعانيها كبار السن، لكنها فى بعض الحالات تبلغ حد فقدانها حين يصاب الإنسان بالزهايمر، وفى محيط الكثير منا نصادف مثل هذه الحالات من المصابين بهذا المرض القاسى، حين يفقد الإنسان قدرته على التذكر.

ما الذى يحدث لو اجتمع فاقدو الذاكرة فى فضاء واحد يجمعهم، لا يشاركهم فيه من لا يزالون يتمتعون بالذاكرة، إذا ما استثنينا الفريق المكلف بتأمين ما يحتاجون إليه من طعام وخدمات؟

مثل هذا الفضاء موجود فعلًا ربما فى أماكن مختلفة من بلدان العالم الراعية للمسنين من مواطنيها، وها نحن بصدد قرية يطلق عليها «لانديه الزهايمر» تقع فى جنوب غربى فرنسا، جميع سكانها يعانون مرض خرف الشيخوخة. وفى وصف تلك القرية نقرأ أنها تضمّ متجرًا فى الباحة الرئيسية يوفر لسكانها أصناف البقالة البسيطة، مثل رغيف الخبز الفرنسى «الباغيت» بدون مقابل مالى، لذا فالأمر لا يحتاج من أحد إلى أن يتذكر حافظة نقوده.

المراسلة صوفى هاتشنسون التى كتبت التقرير عن القرية وقاطنيها روت حكايات من وحى حوارات أجرتها مع بعض من قابلتهم فيها، وبينهم مزارع سابق دعته المراسلة لمشاركتها فنجان قهوة فى مقهى مجاور للقرية، وحين سألته عن شعوره عندما أخبره الطبيب بأنه مصاب بمرض الخرف (ألزهايمر)، أومأ برأسه، وبعد فترة صمت أجاب «أمر صعب للغاية»، لكنه واصل: «سأعيش حياتى.. لا أخاف الموت، لأنه سيأتى فى يوم ما».

نعلم مدى قسوة الوحدة على كبار السن، لكن ليس كل العائشين فى القرية وحيدين. هناك من هم أكثر حظًا منهم، كحال الزوجين فيليب وفيفيان اللذين يعيشان فى القرية حياة طبيعية قدر إمكانهما. قال الزوج وهو ينظر بعيدًا: «نتنزه سيرًا على الأقدام.. نمشى»، وعندما سألتهما المراسلة إن كانا يشعران بالسعادة، أدار الزوج رأسه على الفور، وقال بابتسامة متفائلة: «نعم، نحن كذلك، سعيدان بالفعل».

جديرة بالتأمل فكرة شعور فاقد الذاكرة بالسعادة.. أتراها، أى الذاكرة، تشكل عبئًا على النفس، ما إن يتحرر منها الإنسان يشعر بأن أسرًا قد فكّ عنه؟

 

حسن مدن

جريدة الخليج الإماراتية

التعليقات