أحد أبرز المطالب الإسرائيلية لوقف عدوانها على لبنان هو أن تتمتع إسرائيل بحق التدخل والقصف والعدوان إذا شعرت بوجود تهديد ضدها.
وإذا لم نكن قد نسينا فإنه وطوال المفاوضات التى جرت، منذ 7 أكتوبر من العام الماضى، بشأن الوصول إلى اتفاق وهدنة لوقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فإن إسرائيل أصرت على مطلب جوهرى وهو استئناف العدوان بعد إطلاق سراح أسراها الموجودين لدى المقاومة الفلسطينية.
السؤال: ما القاسم المشترك بين مطلبى إسرائيل سواء فى غزة أو لبنان؟
الإجابة الواضحة والمباشرة هى أن إسرائيل تريد أن يكون لها حق التدخل القانونى والمعترف به من قبل خصومها فى القصف والعدوان ضد غزة ولبنان، وأن يكون هذا التدخل قانونيًا ومكتوبًا ومعلنًا ومعترفًا به من قبل خصومها.
سيقول البعض ولكن ما تطلبه إسرائيل غير قانونى وغير أخلاقى وغير شرعى؟!
والإجابة عن مثل هذا النوع من التساؤلات هو: ومنذ متى كانت طلبات وشروط إسرائيل قانونية أو شرعية أو أخلاقية منذ زرعها عنوة فى المنطقة عام 1948؟!
لكى نفهم المطلب الإسرائيلى لا بد أن نتذكر ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عقب نجاح جيشه فى اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الجمعة 27 سبتمبر الماضى: «تغيير خريطة الشرق الأوسط».
كلمات نتنياهو هى جوهر وصلب وأساس العدوان الإسرائىلى المستمر على فلسطين، منذ 7 أكتوبر من العام الماضى، ومنذ أوائل سبتمبر الماضى على لبنان.
صار واضحًا أن الخطط والمخططات الإسرائيلية بشأن هذا المطلب الكبير موجودة فى الأدراج الإسرائيلية منذ زمن طويل، وكانت تنتظر فقط الفرصة، لكى تحاول إسرائيل تنفيذها على أرض الواقع، وقد جاءتها هذه الفرصة على طبق من ذهب بعد عملية «طوفان الأقصى» فجر 7 أكتوبر من العام الماضى.
وبالتالى نخطئ كثيرًا إذا اعتقدنا أن رحيل نتنياهو أو قادة ائتلافه المتطرف، أمثال بن عفير أو بتسلئيل سموتريتش يعنى نهاية العدوان أو توقف العدوان إسرائيل المخطط.
والائتلاف الحاكم الآن يتمتع بدعم كبير غير مسبوق فى الكنيست مقارنة بالحكومات التى كانت تستمر بدعم صوت واحد فى الكنيست وشعبية نتنياهو صارت مرتفعة جدًا مقارنة بالأيام الأولى التى أعقبت «طوفان الأقصى».
ولكى نفهم الصورة أوضح علينا أن نتذكر تصريحات إسرائيلية متتالية بأن يد الجيش الإسرائىلى تطال أى هدف فى كامل منطقة الشرق الأوسط.
هم لم يكتفوا بالتصريحات والتهديدات، بل نفذوا فعلًا وقصفوا أهدافًا فى اليمن ويقصفون كل يوم تقريبًا فى سوريا، أهدافًا فى إيران، بعد أن اغتالوا زعيم حماس إسماعيل هنية فى أحد مقرات الحرس الثورى فى قلب طهران، واغتالوا عشرات القادة المهمين والنوعيين فى حزب الله وحماس.
إسرائيل تعتقد أن أمامها فرصة ذهبية قد لا تتكرر قريبًا، وهى الدعم الأمريكى المطلق والعجز العربى الإسلامى الكامل، والتردد الدولى، وانشغال روسيا بأوكرانيا، والصين باقتصادها، وبقية العالم بصمته أو همومه ومشاكله، وبالتالى تعتقد إسرائيل أن الأجواء مهيئة أمامها لتنفيذ هذا المخطط وتصفية كل شخص أو تنظيم أو حزب أو جماعة أو دولة تفكر فى مقاومتها، بل توسيع رقعة أراضها التى يقول الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب أنها كيان صغير يحتاج إلى التوسيع.
هذا هو الهدف الإسرائيلى الأعم والأشمل، وبالتالى علينا أن نفهم العدوان فى ضوء هذه الحقيقة، وألا ننشغل كثيرًا بالتسريبات الإعلامية والسياسية التى تنهال علينا منذ 7 أكتوبر 2023 حتى الآن من تقدم فى هذه المفاوضات أو تلك. إسرائيل لا تريد سلامًا عادلًا، ولم ترده يومًا. هى تريد سلامًا على مقاسها يعطيها الأرض والثروات والقوة والبلطجة، ويعطى الآخرين الأمان تحت أجنحة مقاتلاتها وظلال دباباتها وعدم معارضة «إسرائيل الكبرى».