قال حسام بدران، عضو المكتب السياسى لحركة «حماس»، فى مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال، «لا نقاتل لأننا فقط نريد أن نقاتل. نحن لا نلعب لعبة صفرية. نحن نريد أن تنتهى الحرب». أما ما يقصده بدران كهدف نهائى فهو «دولة فلسطينية فى الضفة وغزة والقدس». بما معناه، حدود سنة 1967.
أقوال بدران تتماشى مع المقابلة التى أجراها موسى أبو مرزوق فى موقع «المونيتور» الأسبوع قبل الماضى، وقال خلالها إن «حماس يجب أن تلتزم الموقف الرسمى لمنظمة التحرير التى اعترفت بإسرائيل. صحيح أن أبو مرزوق سارع إلى توضيح ما لم يُفهم من أقواله، وقال إن «حماس لا تعترف بشرعية الاحتلال الإسرائيلى، ولا تقبل التنازل عن حقوق شعبنا الفلسطينى»، وأنها «تؤكد أن المقاومة ستستمر حتى التحرير والعودة». إلا أن هذه التصريحات فى المقابلتين تم التعامل معهما على أنهما «انقلاب» فى رؤية التنظيم، ولا يجب أن تفاجئ أحدا. وهى موجهة إلى الآذان الفلسطينية، أكثر مما هى موجهة إلى العالم، أو إلى إسرائيل.
• • •
تدير «حماس» منذ أعوام حوارات سياسية ودبلوماسية مع مسئولين كبار فى السلطة الفلسطينية، جزء منها مباشرة، وآخر برعاية مصر أو قطر، وتدور حول بنية منظمة التحرير وشكل إدارة الصراع مع إسرائيل. خلال جولة المحادثات الأخيرة التى جرت فى العلمين فى مصر، التقى المسئولون من «حماس»، ومن ضمنهم إسماعيل هنية، محمود عباس ومسئولون مصريون كبار، من أجل فحص إمكان انضمام «حماس» إلى منظمة التحرير.
لم يتم التوصل إلى أى إنجاز حقيقى فى هذه اللقاءات. عباس تمسّك بموقفه القائل إن على «حماس» الاعتراف بالاتفاقيات التى وقّعتها منظمة التحرير مع إسرائيل. بما معناه، اتفاق «أوسلو». وهذا ما عارضته «حماس»، واندلعت الحرب بعد وقت قصير. لكن بحسب أقوال بدران، فإن المحادثات لم تتوقف حتى خلال الحرب، وتجرى لقاءات ما بين قيادات من «حماس»، ومن ضمنهم بدران نفسه وخالد مشعل، وبين ممثلين لمنظمة التحرير، كرئيس الحكومة الفلسطينى السابق سلام فياض، ومحمد دحلان الذى أخرجه محمود عباس من صفوف «فتح»، بالإضافة إلى حسين الشيخ الذى يُعتبر الرجل الثانى فى منظمة التحرير، ويبدو أنه يدير الحوارات مع «حماس».
زيارة هنية إلى مصر غير منفصلة عن الخطوة السياسية التى تحاول «حماس» الدفع بها. مبرر الزيارة المعلَن هو جهود للتوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار، فى مقابل تحرير الرهائن، لكن بحسب مصادر مصرية، فإن «الحديث يدور حول عدة مواضيع أوسع، وتتضمن خطة عمل لليوم التالى». وقال مصدر إعلامى يغطى أخبار العلاقات بين مصر و«حماس» فى غزة لصحيفة «هآرتس» إن «هنية سيطلب من مصر الدعوة إلى لقاء مشترك بين قيادة «فتح»، ومن ضمنها محمود عباس، وبين قيادات «حماس»، ومن الممكن أيضا حضور أمين عام حركة الجهاد الإسلامى زياد النخالة، للبحث فى انضمام «حماس» والجهاد إلى منظمة التحرير».
نقطة الانطلاق هذه المرة هى أن الحرب خلقت ظروفا جديدة، يمكنها أن تساعد على التوصل إلى اتفاق جديد، إذ من المتوقع أن تكون «حماس» أكثر ليونةً، وتسمح لعباس بالتقدم فى مسار ضمِّها إلى منظمة التحرير، وهى القاسم المشترك الذى يربط بين جميع الفصائل الفلسطينية، ومن ضمنها «حماس» التى يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من منظمة التحرير الفلسطينية. صحيح أن هذا هو الموقف الذى عبّر عنه فياض، وأيضا رئيس الحكومة الفلسطينى الحالى محمد أشتية، بالإضافة إلى مسئولين كبار فى السلطة: جبريل الرجوب وناصر القدوة ومسئولون آخرون، حتى قبل الحرب.
• • •
فى اللحظة التى تحدث الرئيس الأمريكى جو بايدن بوضوح عن «سلطة فلسطينية مجددة» يجب عليها أن تتحمل مسئولية إدارة القطاع، وعن نيته الدفع بحل الدولتين، بدأت روح جديدة تنتشر فى أوساط «فتح» وشعور بأن لديهم هذه المرة فرصة لبناء حركتهم من جديد، وإزاحة محمود عباس والدفع قدما بجيل الشباب، وأن هذا الطموح سيكون مدعوما من الجانب الأمريكى هذه المرة. وهم يعترفون أيضا، بأنه من دون «حماس» والفصائل الأُخرى، فإن الدعم الأمريكى لن يحقق لهم الدعم الجماهيرى والشرعية الداخلية، أما فى حال انضمام «حماس»، فيمكن أن يتغير التوجه الأمريكى كله. وبحسب مسئول كبير فى اللجنة المركزية لـ«فتح»، قال لـ«هآرتس» إن الحرب فى غزة أضعفت «حماس» التى تبحث عن طرق للحفاظ على مكانتها وقوتها السياسية، فى حال لم تعد تسيطر على غزة، لكن فى الوقت نفسه، عززت قوتها بصفتها مَن يتحمل عبء الحرب ضد إسرائيل».
فى الوقت نفسه، يبدو أن قيادة «حماس» لا تعرف كيف ستنتهى الحرب، وكيف ستكون مكانة الحركة، وماهية «جمهورها»، فى ضوء نتائج الحرب. لذلك، عليها الاستعجال لقطف الثمار السياسية قبل انتهاء الحرب، لكى تضمن مكانتها فى أى حل يُطرح بشأن مستقبل حُكم غزة. يبدو أن قيادة «حماس» تقدّر أن مصر تستطيع مساعدتها للعودة إلى طاولة النقاشات التى ستبحث فى مستقبل اليوم التالى، حتى لو كان بصورة غير مباشرة. أحد الإمكانات التى تُبحث هو تسريع إعادة بناء منظمة التحرير، بحيث تضم «حماس» و«الجهاد الإسلامى» وإقامة مجلس، أو سلطة تكون مسئولة عن إدارة غزة، ولا تضم أعضاء من «حماس».
ولنجاح مثل هذه المبادرات، لا يكفى إعادة توحيد الصفوف فى حركة «فتح» والاتفاق على بنية جديدة لمنظمة التحرير ــ بل «حماس» أيضا تواجه معضلات صعبة. الصعوبة الحالية هى جعل يحيى السنوار ومحمد الضيف يتماشيان مع موقف قيادة الخارج. وكما هو معلوم، فإن السنوار لا يزال مؤمنا بقدرته، ليس فقط على إدارة المعركة فى مواجهة إسرائيل، بل على الحفاظ على السلطة أيضا. يبدو أنه يراهن على الضغط الدولى، وأيضا الضغط الجماهيرى الداخلى الإسرائيلى. لذلك، فإنه يستخدم المفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن كورقة ضغط، ليس فقط فى مقابل إسرائيل، إنما مقابل قيادة «حماس» فى الخارج أيضا التى تتعرض لضغوط كبيرة من دول عربية، ويجب عليها تقديم تنازلات للحفاظ على مكانتها.
أيضا، يمكن الافتراض أن قيادة «حماس» تريد التوصل إلى صيغة يتم فيها تحرير عدد كبير من الرهائن فى مقابل وقف إطلاق نار طويل، والكلمة الأخيرة للسنوار، الذى حتى لو تم اغتياله، فلا شىء يضمن أن يكون هناك غزّى أكثر ليونةً منه فى المفاوضات. وفى الوقت نفسه، فإن قيادة «حماس» فى الخارج ليست موحدة. فالعلاقات بين مشعل وهنية لا تزال متوترة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقات بين مشعل وصالح العارورى، نائب هنية والمسئول عن الضفة، والذى لم يُسمع صوته مؤخرا.
• • •
يمكن التقدير أن إسرائيل، التى تعارض، بشدة، نقل إدارة غزة إلى السلطة الفلسطينية ببنيتها الحالية، سترفض أيضا، بالحدة نفسها، أى التفاف يجعل «حماس» الحاضر الغائب فى السلطة المستقبلية التى ستدير القطاع. حينها، سيُطرح السؤال: هل ستوافق واشنطن على قبول حل سلطة «مجددة»، من دون مشاركة أعضاء من «حماس»، لكنها لديها الشرعية من منظمة التحرير التى ستكون «حماس» عضوا كبيرا فيها؟
محلل الشئون العربية والشرق أوسطية
هآرتس
تسفى برئيل
مؤسسة الدراسات الفلسطينية