ما الذى ننتظره من مجلس الشعب الجديد؟ - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:42 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما الذى ننتظره من مجلس الشعب الجديد؟

نشر فى : الثلاثاء 24 يناير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 24 يناير 2012 - 9:10 ص

أكتب هذه السطور قبل بدء الجلسة الأولى لمجلس الشعب الجديد بساعات قليلة، وبينما الاستعدادات الكبيرة تجرى على قدم وساق من كل الجوانب. استعداد موظفى المجلس وجهازه الإدارى لبدء دورة برلمانية جديدة وتاريخية، واستعداد الإعلام لتغطية هذه اللحظة الفارقة، واستعداد المتظاهرين للتأكيد على مطالب الثورة التى لم تتحقق. التوقعات كبيرة إذن ولكن أيضا متناقضة بين من يعتقدون أن هذا المجلس هو بداية حل مشاكل مصر ووضعها على طريق بناء دولة ودستور ومجتمع جديد لأنه مصدر الشرعية الوحيد، وبين من يرون أنه مجلس منزوع الصلاحية ولن يكون له إلا دور شكلى بعد أن كانت انتخاباته معيبة وغير معبرة عن إرادة الأمة. أين الحقيقة؟ وما الذى يمكن أن ننتظره من مجلس الشعب الجديد؟

 

هناك بالفعل قيود عديدة على المجلس تجعله يبدأ نشاطه وهو مكبل وغير كامل الصلاحيات، ولكن أمامه أيضا فرصا لا يمكن اغفالها ودورا كبيرا يمكن أن يقوم به، وبين هذا وذلك يمكن لتوقعاتنا من المجلس أن تكون واقعية.

 

من حيث القيود فأولها هو علاقة المجلس الجديد بكتابة الدستور. فالقول بأن المهمة الأولى والأهم لمجلس الشعب هى كتابة دستور جديد لمصر قول ليس سليما وفيه مبالغة شديدة لأن المجلس سيقتصر دوره فى الواقع على اختيار اللجنة التى تقوم بهذه المهمة، وبعد ذلك تنقطع صلته بالدستور وبعملية كتابته حتى ينتهى الاستفتاء عليه. صحيح أن اختيار لجنة المائة من أعضاء المجلس ومن خارجهم خطوة خطيرة وعليها يتوقف شكل الدستور القادم، ولكن بمجرد اختيار اللجنة ووضع قواعد عملها فإن البرلمان ذاته سوف تنتهى مهمته وسيلزم عليه التفرغ لأمور أخرى منتظرا نتيجة الاستفتاء.

 

كذلك فإن المجلس الجديد ليست صلاحية واضحة لا فى تعيين الحكومة ولا فى عزلها ولا فى سحب الثقة منها، وبالتالى فلن يكون قادرا على تغيير شكل الحكم التنفيذى للبلاد على الأقل إلى أن يصبح لمصر دستور جديد يحدد علاقة البرلمان بالحكومة. المجلس إذن لن تكون له صلاحيات مباشرة فى تحقيق مطالب الشعب والمتظاهرين والمعتصمين حوله لأنه ليس متحكما فى السلطة التنفيذية ولا يملك حيالها الكثير. وبرغم أنه يملك سلطة التشريع وصلاحية حل المشاكل من خلال إصدار قوانين تنظم وتعالج وتعيد بناء الدولة، إلا أن العديد من القضايا الملحة لا تتطلب قانونا بل تتطلب تنفيذا (هل يمكن أن يحل التشريع مشكلة أنابيب الغاز مثلا أو طوابير البنزين؟ لا أظن) وبالتالى فإن المجلس سوف يجد نفسه مطالبا بتحقيق الكثير على أرض الواقع بينما الحكومة ومعها أجهزة الدولة هى التى بيدها أدوات التنفيذ، والمجلس لا يملك حتى أن يعزلها أو يسحب الثقة منها.

 

وأخيرا فإن المجلس الجديد سوف يكون عليه أن يعيد بناء نفسه كمؤسسة اخترقها الفساد فى الماضى وغلب عليها الترهل والضعف وساد فيها تراث من الاستفادة الشخصية، وتغليب المصالح الخاصة، وإهمال الصالح العام، وضعف البنية المؤسسية، وغياب الشفافية فى الموازنة الداخلية، والمحسوبية فى التعيين وفى تنظيم العمل، إلى آخر مسلسل طويل من المشاكل الداخلية التى تجعل من الضرورى أن يكون إصلاح البرلمان داخليا على رأس أولويات المجلس الجديد حتى يتمكن من القيام بمهمته، وحتى يقدم للبلد نموذجا بنفسه أولا.

 

هذه قيود حقيقية ولا يستهان بها. ولكن برغم هذه القيود والعوائق فإن أمام المجلس أيضا فرصا كبيرة يمكنه أن يستغلها ويمكنه أن يهدرها. أول هذه الفرص أنه بتشكيله وانعقاده تكون سلطة التشريع قد ارتدت من المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى ممثلى الشعب وعادت إلى مكانها الطبيعى لا الاستثنائى، هذه المرة بيد نواب منتخبين لا مزورين. وهذه خطوة كبيرة ومهمة فى بناء دولة القانون والديمقراطية وعلينا جميعا إدراك أهميتها والعمل على استغلالها على أفضل نحو، بحيث يتمكن المجلس الجديد من إصدار القوانين العاجلة والملحة التى ينتظرها الشعب وأن يكون الصالح العام فى ذلك سابقا على الصراعات الحزبية.

 

ثانى الفرص أن المجلس ــ بغض النظر عن سلامة الانتخابات والعيوب التى شابتها ــ يمثل السلطة الأعلى المنتخبة على المستوى القومى، وبالتالى لديه القدرة على أن يؤسس لشرعية جديدة فى مصر، وأن تكون له مرجعية من اختيار الجماهير. ولكن هنا يلزم أن ينتبه المجلس إلى أنه قد يكون منتخبا ومعبرا عن شرعية ما، ولكنه ليس الجهة الوحيدة صاحبة الشرعية السياسية فى مصر وليس له أن يحتكر صنع القرار، لأن الساحة السياسية فيها وسائل أخرى للتعبير والمشاركة، كل منها له دور، ولكل منها مساحة يتحرك فيها، بما فيها النقابات، والأحزاب، والجمعيات، والجامعات، والحركات الاحتجاجية والمتظاهرين فى الشوارع. مجلس الشعب قد يكون التعبير الأعلى عن مشاركة الناس فى العمل السياسى، ولكنه ليس التعبير الوحيد وبالتالى فتشكيله لا يلغى دور وسائل العمل السياسى الأخرى بل يجعله ملزما بالتفاعل معها وبأن يكون وسيلتها فى التشريع لا وصايا عليها.

 

أما ثالث الفرص فهى أن المجلس، بحكم أنه يجمع تحت قبة واحدة العديد من القوى السياسية والأحزاب والتيارات فهو يمثل مساحة مطلوبة وضرورية فى بناء توافق وطنى على القضايا الملحة والتى لا تحتمل انتظارا، وعلى رأسها عودة الأمن للشوارع، ووقف النزيف الاقتصادى، ووضع ضوابط للوقاية من الفساد، وحماية حقوق وحريات المواطنين. هنا يتوقف نجاح البرلمان الجديد على قدرته فى أن يكون متسعا لكل الآراء، وأن يحقق توافقا لم ننجح فيه طوال الشهور الماضية، وأن ينقل مصر من تراث الحزب الوحيد إلى فكرة مشاركة جميع التيارات فى الحكم.

 

المجلس الجديد فى حد ذاته لن يكون حلا لكل مشاكل مصر، كما أنه لن يكون منزوع الصلاحية والأهمية، بل الأمر يتوقف على أعضائه وعلى مدى توافقهم واستعدادهم للعمل معا من أجل تحقيق الصالح العام، كما أنه يتوقف على قدرتهم على التفاعل مع مشاكل الناس ومطالبها لا اعتبار أنهم قد جاءوا لإسكات الشارع المصرى. وفى جميع الأحوال فإن انتخاب مجلس نيابى خطوة ضرورية فى طريق تحقيق الديمقراطية ولكنها بالتأكيد ليست خطوة كافية، بل يجب أن يلحقها خطوات أخرى تستكمل بناء أعمدة الدولة الجديدة ونقل الحكم بأكمله إلى الشعب.  

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.