لم يدرك الرئيس الأسبق حسنى مبارك أن عاقبة عناده وتحديه لشعبه ستنتهى إلى خلعه فى ثورة شعبية، لو قرأ«المخلوع» النهاية لاستجاب لمطالب حركات الاحتجاج السياسى التى تصاعدت فى العامين الأخيرين من حكمه، مطالبة بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة تحت إشراف قضائى كامل، ودون تدخل أجهزة حبيب العادلى.
أصر مبارك على عناده وجرى تزوير انتخابات مجلس الشعب بفجاجة غير مسبوقة، وخلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لبرلمان 2010 سخر من معارضيه وأطلق عبارته الشهيرة «خليهم يتسلوا»، ردا على تأسيس «البرلمان الموازى».
تخلى مبارك عن عناده بعد فوات الأوان، وأعلن عن تنحيه عن السلطة تحت ضغوط الشارع والجيش وتخلى الغرب عن «كنزه الأستراتيجى»، فواجه مصيره.
ورث «المعزول» محمد مرسى من مبارك العناد، فعندما طالبه شركاؤه بإقالة حكومة هشام قنديل أجرى تعديلا عليها يحكم من قبضة جماعته على الدولة، وتمسك بنائبه العام الملاكى طلعت عبدالله، فانتهى به الأمر خلف القضبان ينتظر ارتداء البدلة الحمراء، لتدخل الدولة فى دوامة عنف لا يستطيع أحد أن يتوقع متى تهدأ.
مطلع الشهر الحالى قامت الدنيا ولم تقعد بعد أن أطلق المستشار محفوظ صابر وزير العدل السابق تصريحه الطبقى «ابن عامل النظافة لا يمكن أن يصبح قاضيا أو يعمل بمجال القضاء؛ لأن القاضى لابد أن ينشأ فى وسط بيئى واجتماعى مناسب لهذا العمل، وابن عامل النظافة لو أصبح قاضيا، لن يستمر فى المهنة».
زلة لسان صابر أثارت حالة من الغضب ضد حكومة إبراهيم محلب، فأعلن رئيس الوزراء عن قبول استقالة وزير العدل، وأسندت حقيبة العدل إلى المستشار إبراهيم الهنيدى وزير العدالة الانتقالية، بشكل مؤقت «حتى يبلغ المستشار حسام عبدالرحيم رئيس المجلس الأعلى للقضاء سن التقاعد نهاية الشهر المقبل، ويتم تكليفه بها»، بحسب ما قاله مصدر قضائى منتصف الأسبوع الماضى.
الرئيس السيسى أقال محفوظ صابر لطبقيته ضد فئة من الشعب «عمال النظافة»، فقرر أن يسند حقيبة العدل إلى المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة الذى أعلن انحيازه إلى «القبيلة القضائية» فى مواجهة الشعب المصرى، فوصف من يهاجم تعيين أبناء القضاة بأنهم «حاقدون وكارهون»، وشدد على أن توريث المناصب القضائية «سيستمر سنة بسنة ولن تكون قوة فى مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها».
لم ينكر الزند عداءه يوما مع الثورة وعندما سئل عنها قال: «ليت ثورة يناير ما كانت، فهى لم تدخل إلى رأسى أصلا»، وبالرغم من أن مبارك كان يدوس على أحكام القضاء بحذائه، فإن وزير العدل الجديد يرى أن «المخلوع» لم يتعد يوما على السلطة القضائية وحرص على استقلالها.
عداوات الزند داخل السلطة القضائية لا تحصى، فمنذ انتخابه رئيسا لنادى القضاة فى 2009 ومعاركه مع خصومة لا تنتهى، لا ينكر أحد الدور الذى لعبه الرجل فى إسقاط نظام الإخوان فى 30ــ6، لكنه استغل ذلك لتصفية هؤلاء الخصوم.
على مدى عقود لم يعرف أحد كيف يتم اختيار الوزراء وما هى المعايير التى يستند إليها رئيس الدولة لتكليف الحكومة.
شرعية الأنظمة مرهون باحترام رغبات شعوبها، والعند يولد الانفجار.
Saadlib75@gmail.com