ضحية رامز «الحقيقية» - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:07 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضحية رامز «الحقيقية»

نشر فى : الأربعاء 24 يونيو 2015 - 12:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 يونيو 2015 - 12:35 م

برنامج «رامز» المتجدد بأشكال مختلفة فى شهر رمضان من كل عام، يقدم نموذجا حيا لما يمكن أن نطلق عليه «السخافة الإعلامية». يجرى خداع ممثلين أو مشاهير، واستدراجهم إلى موقف ساخر، مثير، مستفز، وينتهى عادة بوصلة من الشتائم، والبذاءات من الشخص المستدرَج بعد أن يكتشف طبيعة «المقلب» الذى حِيك له.

أغلب الظن، وكما أعلن البعض فى مناسبات مختلفة، أن الضيف المستدرَج مدفوع الأجر، أى يتلقى مقابلا ماليا نظير الموقف السخيف الذى يعيشه لدقائق. ويبدو أن الحبكة الفنية تقتضى أن يؤدى الضيف دوره إلى النهاية، ويتقمص دور الضحية المخدوع، ويُخرج من مخزون غضبه بذاءات، وشتائم، وعنفا، تعبيرا عن فداحة «المقلب» الذى واجهه.

فى هذا البرنامج، والبرامج الأخرى على شاكلته إشكاليات عديدة منها: استسهال فكرة السخرية من الآخرين بقصد الضحك، وعدم الاعتداد بكرامتهم أو شخصهم، وهو ما يرسخ الاعتقاد بما ُيعرف فى علم الاجتماع بـــ «تشيؤ الإنسان»، أى أن الانسان «شىء» أو «غرض» وليس قيمة وكرامة، لا مانع من استخدامه، وإضحاك الآخرين عليه، حتى لو كان ذلك بمقابل مادى، لا يهم، المهم هو استخدام الشخص على نحو يؤدى إلى انتزاع الضحكات من الناس، وترويج الإعلانات، وجنى الأرباح، وخلافه. تضحك، وتبتسم بسبب خداع الغير، وردود أفعالهم الانتفاضية الغاضبة..

ألا ترون فى ذلك مسألة خطيرة تعكس تحولا سلبيا فى النفسية العامة للمجتمع المصرى؟ الأمر الآخر، هو تعزيز «فائض العنف» فى المجتمع، كل شىء حولنا ُيدار بالعنف، الطريق، المرور، المعاملات وسط ارتفاع منسوب البذاءة، وهو ما يؤكده البرنامج خاصة بعد أن يكتشف «الضحية» ما حدث له تنهال وتتساقط الشتائم والقبائح من فمه، وبعضهم تفل على وجه مقدم البرنامج الساخر، والبعض الآخر ركله بعنف، أيا كان ذلك طبيعيا أو مصطنعا، فإن الأمر المتيقن أنه ينشر العنف، ويعمق وجوده، ويجعله طبيعيا، مقبولا، مشاهدا ومعروفا، يستعمله المشاهيرــ الذى يصل بعض الناس بهم إلى حد تقليدهم ــ فما بالك بالمواطن العادى؟.

الأمر الثالث، هو استمرار ماكينة الخلط بين الإعلام والإعلان، فالجانب الأكبر من وقت البرنامج «إعلانات»، والجانب الأقل هو المضمون نفسه، وهو ما يجعل مئات الآلاف تنفق بلا منطق أو عائد. برنامج يصرف الملايين، لا يقدم للناس معلومة أو معرفة أو خبرة أو يدفعهم إلى التفكير الجدى فى موضوع، كل ما يقدمه هو مجرد «مقلب» مستفز، ورد فعل «شتائم»، وإعلانات تنفق الملايين، وهى بالمناسبة من جيوب الناس الذين يشاهدون الحلقات التى يستفيد منها مقدمها، وطاقم اعدادها، والمخرجين، والضحية المغرر بها، ويدفعها المشاهدون أنفسهم لا أحد غيرهم، فى أسعار المنتجات التى يعلن عنها فى البرنامج.

هذه هى الإشكالية. الضحية الحقيقى ليس الممثل أو اللاعب أو المطرب المستدرَج إلى «المقلب»، ربما تلقى هذا الشخص مقابلا ماليا سخيا، ولكن الإشكالية فى «المواطن» البائس، الذى تمول من جيبه هذه البرامج رغم أنها تنقل له رسائل شديدة السلبية سواء فى التصورات الذهنية تجاه الآخرين، والتسامح مع مستويات متدنية من الخطاب ولغة الحوار، واللجوء إلى العنف المستبطن.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات