اتفاق المصالحة الذى يجرى وضعه بين تركيا وإسرائيل، كما نأمل، يقترب من التوقيع النهائى. ومن المنتظر يوم الأحد أن يراجع ممثلو الدولتين مسودة الاتفاق ويعلنوا الموافقة الشاملة على بنودها، وبعد بضعة أسابيع توقيع الاتفاق الرسمى. وبذلك تنتهى ستة أعوام من القطيعة السياسية والعسكرية بين الدولتين اللتين حتى سنة 2010 كانتا صديقتين مقربتين سواء على الصعيد الرسمى أو على المستوى المدنى.
لقد كانت هذه قطيعة لا لزوم لها، وقد تسببت بضرر كبير للدولتين. وبدايتها كانت مع قضية الأسطول إلى غزة الذى أوقفته إسرائيل بالقوة. وفى المواجهة مع المشاركين فى الأسطول الذين كانوا على متن سفينة «مافى مرمرة» قُتل تسعة مواطنين أتراك.
لقد تمسكت إسرائيل بحقها فى اعتبار الأسطول محاولة للمس بسيادتها، ولم تستطع تركيا التى دعمت الأسطول السكوت على مقتل تسعة من مواطنيها، وتمسك كل طرف بموقفه. وهكذا انفرط عقد العلاقات بين الدولتين إلى حد أن كل واحدة منهما أصبحت تنظر إلى الأخرى بصفة أنها عدوة لها. هناك مثل مشهور يقول: الإهانة والإذلال والكرامة هى عوامل تعانى عدم تقدير أهميتها فى العلاقات بين الدول. ويبدو أن أزمة الأسطول أثبتت صحة هذا القول.
إن إحدى نقاط الخلاف البارزة فى مفاوضات المصالحة بين الطرفين هى التى تناولت مصير قطاع غزة. إن هذه منطقة واقعة تحت حصار يجعلها بمثابة أحد أكبر السجون فى العالم. والبند الأخير الذى جرى حله فى النقاشات لا يرفع الحصار عن القطاع كما كان يطالب الأتراك، لا بحرا ولا برا، لكنه يسمح لتركيا بأن تنقل إلى غزة مساعدات من دون قيود من طريق مرفأ أشدود، وبناء محطة لتوليد الطاقة ومستشفى فى غزة.
وعلى الرغم من الإنجازات فى هذه النقطة، فإن غزة لا يزال فيها تهديد كامن بانتظار الانفجار. إن تقرير الأمم المتحدة الذى نُشر قبل عام يحذر من أنه إذا استمر الوضع الاقتصادى الحالى فإن قطاع غزة يمكن أن يصل خلال مدة تقل عن خمس سنوات إلى وضع يصبح فيه منطقة «غير صالحة للسكن». وتطرقت لجنة التجارة والتنمية فى الأمم المتحدة إلى النتائج المتعلقة بثمانى سنوات كان خلالها القطاع محروما من التطوير الاقتصادى، مشيرة إلى الانعكاسات المدمرة التى خلفتها ثلاث حروب مع إسرائيل فى السنوات الست الأخيرة.
إن الاتفاق بين إسرائيل وتركيا لا يزيل هذا الخطر ولا يعفى إسرائيل من مسئوليتها عن الحرص على حياة 1.8 مليون إنسان محاصرين منذ عشر سنوات. وتحديدا على خلفية فتح صفحة جديدة فى العلاقات مع تركيا، يتعين على إسرائيل فتح صفحة جديدة فى العلاقة مع قطاع غزة، وبدلا من جولة قتال مؤذية ولا لزوم لها، يجب على إسرائيل المبادرة إلى رفع الحصار عن غزة.