يلفت النظر فى الاندماجات والتحالفات الوفيرة التى جرى الإعلان عنها مؤخرا أنها تطرح خطابا واحدا، حتى يكاد يشعر المتابع أنهم جميعا يرددون نصا واحدا وحيدا ينطلق من منطقة الندم على عدم التوحد فيما مضى، وتدارك ذلك فيما هو آت.
كلهم يقولون إنهم أخطأوا حين تفرقوا، ومع ذلك تتوالد الاندماجات الجديدة بسرعة، وتتعدد وتتكاثر بما يعيد الحالة ذاتها التى ندموا عليها، حيث ينشد الجميع اللقاء لكن كلا منهم يريد أن يتم على أرضه وفى بيته، وأن يكون هو صاحب الدعوة، والمحصلة أننا أمام كمية من الواحدات الصحيحة تفوق كمية الكسور والأجزاء المتناثرة.
وأحسب أنه بعد الحكم البات ببطلان مجلس الشعب المنحل، واستحالة عودته مرة أخرى، بات الجميع فى مواجهة استحقاقين شديدى الأهمية، الأول: إنجاز الدستور الجديد بأقصى سرعة، والثانى الدخول فى انتخابات برلمانية كضرورة تفرضها إزالة البيت التشريعى فى مصر بحكم القضاء.
وفى الموضوع الأول لا يختلف أحد على أننا فى مسيس الحاجة لجمعية تأسيسية لوضع الدستور، يتوفر فيها التوافق والتمثيل المتوازن لجميع فئات وأطياف الشعب المصرى، وهذا الأمر يستدعى فورا أن يفى القائمون على الأمر بتعهداتهم بإحداث تغيير فى بنيتها يضمن التوافق والتوازن، وهناك مؤشرات على عودة المنسحبين الخمسة إلى تشكيل الجمعية، ويبقى وعد الرئيس مرسى بالسعى لإضافة خمسة آخرين بحيث تقترب تشكيلة الجمعية من وضع يلبى الحد الأدنى من المطالب الوطنية.
وحتى نصل إلى تحقيق هذه الغاية ينبغى أن يتخلى الجميع عن المصالح الفردية والحزبية، ويتجهون لإعلاء المصلحة الوطنية الجامعة وصولا إلى دستور لكل المصريين، يشارك فى صياغته كل المصريين.
ويبقى استحقاق الانتخابات البرلمانية المقبلة الذى يفرض على القوى الوطنية المعارضة للإخوان وأحزاب الإسلام السياسى أن يطبقوا شعارات الوحدة والائتلاف فى خطوات عملية ملموسة، تجمع أكثر مما تقسم، وتوحد أكثر مما تفرق، إذا كانوا جادين حقا فى تلافى أخطاء الماضى التى أوردتنا هذا المصير.
ومن هنا تحتاج المرحلة الراهنة قليلا جدا من الكلام وكثيرا من العمل والقدرة على الفعل، والاجتهاد فى صياغة برنامج ومشروع سياسى جدير باكتساب جمهور الناخبين، يقوم على تقديم رؤية لبناء مستقبل أفضل، وليس مجرد خطاب نقدى يكتفى فقط بإبراز ما يرونه من سلبيات لدى الأغلبية الحالية.
وهذا الأمر يتطلب إغلاق ورش الكلام والخطب الرنانة مؤقتا، وتكريس الجهد لابتكار أفكار ومشاريع تصافح الجماهير ولا تكتفى بمداعبة ودغدغة مشاعرها بالحديث المستمر عن عيوب الآخرين.
ومجددا: ينبغى أن تدار المعركة الانتخابية القادمة على أرضية: أهلا بالتوحد والاصطفاف لكن الفلول وبقايا نظام مبارك يمتنعون، إذا كانت الأحزاب والاندماجات الجديدة صادقة فعلا فى أنها تستهدف إكمال مسيرة الثورة وحمايتها.