هناك صنف من المواطنين الشرفاء يعتقدون أن السياح لا يأتون إلى مصر لأن هناك أيادى خفية تعمل على تلويث سمعتنا بالخارج أو لأن الأجانب لم يبلغهم خبر أن لدينا ثلث آثار العالم وشواطئ رائعة وأسماك ملونة تسبح فى بهجة حول الشعب المرجانية النادرة فى قاع البحر الأحمر. تمتلئ صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى بالصور الخلابة أحيانا مع توجيه اللوم لمكاتبنا السياحية المنتشرة انها لا تقوم بالدور الكافى للتعريف بجمال مصر وجذب السياح إليها. أحيانا ما يكون هؤلاء هم نفس الأشخاص الذين يحذرون من المؤامرات الأجنبية على مصر المستهدفة وينشرون بحماسة بالغة مع تحيات حارة لأجهزة الأمن اليقظة أخبار القبض على أشخاص أجانب كانوا يحملون كاميرا ويقومون بتصوير بعض المبانى وكان بحوزتهم خريطة لمدينة القاهرة.
•••
لا يقبل السياح عموما على البلاد التى تشهد اضطرابات سياسية تصاحبها أعمال عنف وعمليات إرهابية، ومفهوم تماما أن تتأثر السياحة فى مصر بالظروف التى نمر بها الآن ورغم ذلك فلا أظن أن هذا هو السبب الوحيد ولا الرئيسى لأزمة السياحة الحالية. أحمل هما كبيرا لدى معرفتى أن أحد أصدقائى الأجانب قادم لزيارة مصر ولا علاقة لذلك بخوفى أو خوف زوارى من أحداث العنف أو العمليات الإرهابية رغم تزايد وتيرتها. الحق أن أجواء مكافحة الإرهاب مخيفة أكثر من الإرهاب ذاته. فمن ناحية ساهمت الهيستريا الإعلامية فى خلق حالة خطيرة من العداء للأجانب تعرض معها العديد منهم لأعمال عنف من مواطنين ظنوا أنهم يقومون بواجبهم الوطنى ومساعدة الشرطة فى تأديب كل من تم ضبطه يحمل خريطة أو كاميرا. ومن ناحية أخرى هناك الأمن ذاته والذى أصبح أكثر اهتماما بمراقبة تصرفات السائحين أكثر من حمايتهم. تكون الأمور أكثر صعوبة وتنغيصا إذا ما كان الزائر الأجنبى بصحبة مواطنين مصريين. فمن تقاليدنا السياحية العريقة (وهو أمر ليس بجديد) أن أى مصرى ليس من حقه اصطحاب أى أجنبى إلى أى مزار سياحى إلا إذا كان مرشدا سياحيا أو عضوا فى جمعية أصدقاء السائح.
•••
يرتبط الوجود الأمنى لدى السائح (ولدى المواطن بالطبع) بالمضايقة وليس بالأمان، كما تلعب القبضة الأمنية المتزايدة على كل نواحى الحياة دورا سلبيا بالنسبة للسياحة وغيرها من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية. قضيت إجازة عيد الأضحى فى الأقصر وأسوان وكنا من المحظوظين القلائل الذين وجدوا أماكن فى الطائرة بصعوبة شديدة. كان الفندق فى الأقصر خاويا تماما إلا من أسرتنا وأسرة أخرى رغم أننى أعرف شخصيا العديد من الناس الذين كانوا يودون قضاء إجازتهم هناك ولم يستطيعوا بسبب انعدام وسائل المواصلات فلم تكن هناك أماكن بالطائرات أما القطارات فهى متوقفة بالطبع مما عطل السياحة الداخلية التى كانت مدننا السياحية فى أشد الحاجة إليها كما حرم العديد من أسر الصعيد من قضاء أجازة العيد فى قراهم. قرار إيقاف القطارات هو بوضوح قرار أمنى وخارج عن إرادة أو قدرة وزير السياحة. يا ليته ويا ليت الوزراء الآخرين المسئولين عن ملفات تمس الاقتصاد يحدثوننا عن تأثير شعار وسياسة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» على الاقتصاد وإذا كان من الممكن تحقيق أى تقدم فى حل المشاكل الاقتصادية المتفاقمة فى ظل قلة حيلتهم تلك إزاء السيطرة الكاملة للأمنيين