المتربصون - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 21 نوفمبر 2024 5:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المتربصون

نشر فى : السبت 24 ديسمبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 24 ديسمبر 2011 - 8:00 ص

 تكررت الدروس التى لقنها الشعب المصرى فى ثورته للعالم، وتكررت معها محاولات طمس معالمها. فحين انضم الشعب إلى طليعته الثورية فى أعقاب موقعة الجمل، أثبت أن الإرادة الصلبة أشد قدرة من القوة الغاشمة. وبعد أن ألقت أحداث ماسبيرو ومحمد محمود بظلالها على نقاء الثورة، استمر الشعب فى إلقاء الدروس بانتظامه فى صفوف تسارع إلى المشاركة فى إبداء الرأى بعد أن استرد الرأى قيمته، تساوى فى ذلك العالم والجاهل والرجل والمرأة، فى مجتمع يوصف بأنه يعانى من أشد نسب الأمية ارتفاعا، ومن سلب المرأة حقوقها واعتبارها متاعا. فإذا بالأمور تتجمع منذرة بثلاثة أمور: شق صفوف الشعب وإبراز الجانب السيئ للمجتمع فى فئات تتصف ــ كما فى أى مجتمع ــ بالخسة والإجرام، لعلها تطمس نقاء صفحة الشعب الثائر ــ إشاعة الفوضى لعلها تعصف بأى إنجازات تعيد للفئات المحرومة بعض حقوقها وتحطم أسس كل من المجتمع والاقتصاد الوطنى لتسلب مصر مكانتها الرائدة على المستويات العربية والأفريقية والعالمية ــ إحداث الوقيعة بين الشعب وجيشه الذى ارتفعت هامته حينما عبر حاجز الهزيمة وواصل حماية أمننا القومى رغم إهدار الساسة ثمار إنجازاته.

 

***

 

تتابعت تلك الأحداث فى نمط غريب يكاد ينفى عنها صفات العشوائية والتلقائية، ويؤكد أن وراءها عقل أو عقول مدبرة تثابر على تحطيم كل مظاهر الحياة، بل وتعصف بتاريخ مصر على نحو ما حدث فى العراق تحت الرايات الأمريكية. وإذا كان المسئولون يؤكدون أن هناك أيدى أجنبية تعبث بأمن مصر وبمصيرها، فإن عدم وضوح معالم تلك الأيدى يدفعنا إلى تحليل الشواهد وردها إلى قرائن ترجح فروضا على أحرى بناء على وضع فروض أساسية ومناقشة السيناريوهات التى تستدعيها فى محاولة لترجيح أحدها على غيرها وإن غاب الدليل. هذه الفروض تنقسم إلى نوعين رئيسيين الأول أن هناك قوة أو قوى معينة تواصل التخريب على سبيل الحصر. الفرض الثانى أن البدايات التى نجحت فى الوقيعة فى حدث أو أحداث معينة شجعت أخرى على التقاط الخيط، فى تتابع لا يشترط التوافق والاتفاق فيما بينها على الأهداف أو ما تتوقعه من فوائد تجنيها. الأمر الذى يمكن التسليم به فى الحالين أن تلك القوى تعمل من وراء ستار، وتحرك أدوات تتواجد فى الساحة: سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ونعنى بغير المباشرة تلك الفئات التى تستثار أو تستغل دوافعها الذاتية للقيام بأفعال ظاهرها التلقائية والبراءة لتعطى ذريعة لتلك المدفوعة أو المأجورة لتنفيذ المآرب الخبيثة. يندرج فى الأولى من يوصفون بأنهم الشباب الثائر والتشكيلات التى تعرف نفسها بأنها هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان، مركزة على حقوق الفرد أيا كان متجاهلة فى الغالب حقوق المجتمع.

 

لعل أجدر القوى الخارجية بالاعتبار اثنان: الأول عربى هو على الأرجح مستثمر أو مستثمرون تضرروا من عمليات إغلاق ملفات الفساد. هؤلاء تمكنهم ثرواتهم من تخصيص مبالغ تكفى لإقامة غرفة عمليات من محللين علميين وعلماء نفس، تقوم باستغلال دوافع البشر، السيئة والطيبة معا، لتتجدد عمليات الاشتباك بين أطراف تستدعى تدخلا أمنيا، فتسقط ضحايا تؤجج النيران وتشغل الفكر بمناقشة المآسى المترتبة على الأحداث بانفعالات هوجاء بدلا من تحليل الأمور وردها إلى أسسها التى قد تكون أخطاء أصرت الضحايا على ارتكابها. ولعل أبرز الأمور التى تكررت فى إصرار عجيب، تكرار النزول الثوار إلى الشارع والاعتصام فيه بدعوى تحقيق مطالب على نحو يمثل استبدادا بالرأى دون قبول مناقشته سواء من حيث الموضوع أو التوقيت. فالشارع يتسع للجميع: الثوار والمتفرجين وذوى النوايا السيئة، وربما الرافضين لأسلوب النزول للشارع. فهو الذى هيأ الساحة لعمليات قتل وحرق وسطو ونهب، لا يعقل أن يقوم الثوار الذين يدافعون عن الحرية والعدالة بارتكابها، وهم الذين أصروا طوال الوقت على أن تكون تحركاتهم سلمية. المشكلة أنهم استسلموا لما دبره المتربصون بناء على تحليل نفسى استندت إليه غرفة العمليات فكرروا توفير الفرص للمخربين، ودفع الوطن كله ثمنا باهظا من سلامة بنية مجتمعه ومتانة هيكل اقتصاده إلى جانب تداعى نظامه السياسى. قد يكون السبب هو ضحالة الخبرة بالعمل السياسى، وهو ما يعنى أنه من الخطورة ترك الطريق إلى تحقيق الأهداف السامية لمزايدات ترفع فيها سقوف المطالب كلما تحقق شىء منها بما يعكس قصور الرؤية وقصر المنظور، ويقطع الطريق على إمكانية تحقيقها، فى تربص عجيب يدفع البعض إلى اتهامهم بسوء التقدير والبعض بسوء التدبير والبعض الآخر بسوء النية.

 

 

قابل تلك التربصات، تربص فئات كان بعضها مستبعدا من العمل السياسى والبعض الآخر عازفا عنه مركزا على إعادة تشكيل العقول على نحو يفتت المجتمع ويهدم الدولة، لاستلاب ثمار الثورة التى زجت ببقايا النظام السابق فى أقفاص الفلول، وعجز أبناؤها عن بناء كيانات يلتف حولها الشعب وترسم معه مسارا قويما يختصر الطريق إلى تحقيق أهداف الحرية والعدالة. وتشير الانتخابات الجارية إلى أن المتربصين حققوا نتائج تفوق كل التوقعات، لا يعنيهم ما يتعرض له الوطن من مخاطر لانصرافهم إلى تشديد قبضتهم على حكم البلاد والتحكم فى العباد. ولو صح إيمانهم بأسمى الأديان لعملوا على تخليص المجتمع من آفات انتشار الإجرام وقتل النفس بغير نفس. وظل الثوار عمليا أقلية رغم تغلغل روح ثورتهم فى نفوس غالبية الشعب.

 

 

الفرض الثانى ينسب غرفة العمليات إلى العدو الأبدى وهو الصهيونية المتوطنة فى فلسطين والتى تتحكم فى سياسات حكام الولايات المتحدة. فاستبقاء الانقسام الاجتماعى والتطاحن الفئوى فى مصر هو البديل الدائم لاتفاقية السلام المزعوم. وهو الضمان لتحول الربيع العربى إلى بيات شتوى يضمن لها البقاء رغم تزايد الانتقادات العالمية لجرائمها. ولعل فى حريق المجمع العلمى المصرى ما يؤشر إلى أن إسرائيل أمسكت بزمام عمليات الهدم، إن لم تكن هى البادئة. والغريب أن تستمر الدعوة إلى تخلى العسكر عن الحكم، ولو أنهم كانوا يشتهونه لحققوا من الإنجازات ما يدفع الشعب إلى الإشادة بهم مثلما حدث فى 1952. وماذا يستطيعه مدنيون تخلت عنهم الصناديق دون مساندة شرطة كفأة وجيش رفض تدخله فى الشئون المدنية.

 

***

 

إن اجتماع ثلاثية المال والعلم والشر كتبت لها الغلبة على مساعى الخير المحروم من الحنكة والمال. والمأساة أن الثوار الأبرار سيذكر لهم التاريخ أنهم تحولوا بعجزهم عن إيجاد بدائل آمنة وفعالة لبلوغ مقاصدهم، إلى أكثر الأدوات فاعلية فى هدم ثورتهم، بتربصهم لكل تحرك أو تراخ لمن أسلمهم مبارك «إدارة» وليس «تولى» شئون البلاد.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات