منذ قضية السفينة «مافى مرمرة» [قيام كوماندوز سلاح البحر الإسرائيلى بمهاجمة السفينة التركية «مافى مرمرة» التى كانت فى طريقها إلى قطاع غزة فى مايو 2010]، لا يفوت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أى فرصة لجلد إسرائيل من دون حساب. فقد شجع على إطلاق «سفن التعويض» إلى غزة، وفرش سجاجيد حمراء لقيادة «حماس» التى فرت من سوريا، وأوقف المشتريات العسكرية من إسرائيل، ومنع الطلعات الجوية العملانية لسلاح الجو [الإسرائيلى] فى أجواء تركيا، وأوقف التنسيق الاستخبارى، وهدد بمحاكمة ضباط وجنود كانوا مشاركين فى قضية مهاجمة السفينة، وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسى بين أنقرة وتل أبيب، كما أنه لم يفوت أى فرصة ليفتح فمه الكبير ضدنا.
أما الآن فهو يغير الاتجاه. ومع ذلك، فإن الطاقم التركى الذى يعمل على صوغ اتفاق المصالحة بين أنقرة والقدس يحافظ على اهتمام إعلامى متدنٍ، فأردوغان يواجه مشكلة هى كيف يمكن أن يفصل بين الجوهر والأجندة؟، وكيف يعرض المصالحة مع إسرائيل من دون أن يخرج منها فى صورة الفاشل مرة بعد أخرى؟، وكيف يسوق إعادة السفيرين وإلغاء الدعاوى ضد ضباط الجيش الإسرائيلى وإغلاق مكاتب «حماس» فى اسطنبول، من دون أن يتمكن من الإمساك بالميكروفون كما يطيب له متباهيا برفع الحصار عن غزة؟.
ينبغى الانتباه إلى الموضوع الاقتصادى، فحتى فى ظل الأجواء المعادية لم ينخفض حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل بل بالعكس، تضاعف إلى 5.6 مليارات دولار فى السنة. والسفن تنقل البضائع وتتوقف فى إسرائيل، وتنتقل البضائع إلى الأردن وتحمل على شاحنات إلى العراق. والبضائع الإسرائيلية تباع من دون أى مشاكل فى الأسواق التركية، والطلب على المعرفة التكنولوجية والخبراء الزراعيين الإسرائيليين يسجل ارتفاعا متواصلا. ففى هذا الشأن يبدو أن أردوغان ورئيس حكومته داود أوغلو اللذين أقسما بـ«جعل إسرائيل تركع» غيرا القرص، وانتقلا من سياسة «صفر مشاكل» إلى شعار «ما هو جيد للأتراك».
***
إن شروط أردوغان للمصالحة لم تتغير منذ قضية السفينة «مافى مرمرة». وهذه الشروط ثلاثة: أولا، أن يعتذر نتنياهو عن قتل وإصابة مواطنين أتراك كانوا على متن السفينة (نتنياهو «أعرب عن أسفه» فقط)؛ ثانيا، أن تدفع إسرائيل تعويضات لعائلات القتلى والجرحى (إسرائيل وجدت صيغة اتفافية تقضى بإقامة صندوق تعويضات)؛ ثالثا، أن يُرفع الحصار المفروض عن غزة (إسرائيل أعلنت أن هذا ليس حصارا كاملا وأن المساعدات الإنسانية تمر وأن سكان القطاع يحصلون على تصاريح خروج «حسب الحاجة»).
غير أن أردوغان تلقى فى الشهر الأخير ضربتين اقتصاديتين، فبسبب إسقاط الطائرة الروسية أُلغى مشروع نقل الغاز الطبيعى من روسيا، وانتقل مليونا سائح روسى خططوا لقضاء نهاية السنة الميلادية على شواطئ أنطاليا وفى أسواق اسطنبول إلى أماكن أخرى. ومع أن اتفاق المصالحة من شأنه أن يفتح إمكان التوصل إلى صفقة غاز طبيعى مع إسرائيل، إلا أن أردوغان يحتاج فى المقابل إلى أن يعد بطرد صلاح العارورى وقادة «حماس» من الأراضى التركية، وبوقف الإجراءات القانونية ضد قادة سلاحى الجو والبحر وضد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية [«أمان»] السابق عاموس يادلين.
سمدار بيرى
محللة الشئون العربيةيديعوت أحرونوت»نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية