إنقاذ الزراعة فى مصر.. الفلاح أولا - ريم سعد - بوابة الشروق
الإثنين 30 ديسمبر 2024 7:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنقاذ الزراعة فى مصر.. الفلاح أولا

نشر فى : الإثنين 25 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 25 مارس 2013 - 8:00 ص

عانى القطاع الزراعى والمجتمع الريفى بشكل خاص خلال العهد الفائت، فالسياسات التى انتهجها نظام مبارك والتى اختارت الانحياز لكبار المستثمرين والزراعات التصديرية على حساب منتجى الغذاء الرئيسيين من صغار الفلاحين لم تؤد فقط إلى تدهور الزراعة وتقليص دورها فى دعم الاقتصاد القومى وإنما أدت أيضا إلى تفاقم مشكلة الفقر وتدنى مستوى المعيشة لدى قطاع واسع من الشعب المصرى وهم الفلاحون وسكان الريف.

 

تتفاقم أوضاع الزراعة والفلاحين مع سير النظام الحالى على ذات النهج - اضف إلى ذلك التدهور المتسارع والخطير فى أحوال البيئة الريفية والبنية التحتية للزراعة مع إهمال الدولة لدورها التاريخى فى صيانة الأراضى والمجارى المائية مع ازدياد وتيرة الظاهرة الأخطر وهى تبوير الأراضى الزراعية على نطاق غير مسبوق مع غياب تام لدور أجهزة الدولة _ بل وبتواطؤ منها ما يمثل تهديدًا خطيرًا لموردنا الأثمن والذى يجب أن تكون حمايته على رأس الأولويات العاجلة.

 

•••

 

وسأطرح فيما يلى بعض الأفكار نحو سياسة زراعية تقوم على فرضية رئيسية وهى أن تحقيق الفائدة الاقتصادية المرجوة من القطاع الزراعى لا يمكن أن يتحقق دون الأخذ فى الاعتبار أن الزراعة نشاط إنسانى واجتماعى فى المقام الأول، وأن نهضة هذا القطاع ترتبط ارتباطا أصيلا بنهضة الفلاحين والرفع من شأنهم. تقوم السياسة الزراعية المقترحة على ثلاثة اتجاهات استراتيجية متكاملة وهى السيادة الغذائية ومساندة صغار الفلاحين واحترام الموارد الطبيعية و التنمية المستدامة.

 

أولا: السيادة الغذائية

 

لا يوجد خلاف على أهمية الغذاء كأولوية استراتيجية على المستوى القومى ولا على أهمية وجود سياسة زراعية رشيدة للتعامل مع هذه القضية. وفى هذا الصدد نقترح تبنى مفهوم «السيادة الغذائية» والذى يتميز عن مفهوم الأمن الغذائى بأنه لا يتعامل فقط مع مسألة توفير الكمية الكافية للغذاء وإنما يركز اهتمامه على المنتجين الزراعيين وخاصة فيما يتعلق باستقلال القرار والإعلاء من شأن المنتجات الزراعية الخاصة بالمجتمع المحلى وتثمين طرق الانتاج التقليدية وتقوية ودعم قدرة صغار المزارعين على تنظيم أنفسهم من أجل شروط أفضل فى الانتاج والتسويق وأن السبيل إلى السيادة الغذائية على المستوى القومى يرتكز على قوة موقف صغار المزارعين وعلى مدى قدرتهم على مواجهة سيطرة الشركات العالمية الكبرى العاملة فى مجال تجارة مستلزمات الانتاج (البذور والسماد) وكذلك تحكم الشركات الكبرى وكبار التجار فى مجال التسويق. كما يؤكد مفهوم السيادة الغذائية ليس فقط على كمية المنتج وإنما أيضا على نوعيته ويتبنى بالذات قضية الحفاظ على البيئة وعلى التنوع البيولوجى عن طريق الحفاظ على أنواع البذور المحلية وحمايتها من الانقراض نتيجة الانتشار السريع للبذور المهجنة والمعدلة وراثيا التى تروج لها شركات البذور العالمية وهى بذلك لا تجنى من ورائها أرباحا طائلة فحسب وانما تتحكم بشكل فعلى فى منظومة الغذاء العالمية من خلال احتكارها لإنتاج وتسويق البذور.

 

وعليه، فإن تحقيق السيادة الغذائية مرهون بدعم صغار الفلاحين و تقوية دور المنظمات الفلاحية المستقلة واعتبار مدى المساهمة فى إنتاج الغذاء كمعيار تتحدد على أساسه استثمارات الدولة فى مجال البنية التحتية الزراعية.

 

ثانيا: مساندة صغار الفلاحين

 

لابد لأى سياسة زراعية فى مصر ما بعد الثورة أن تنحاز بوضوح إلى صغار الفلاحين وأن تثمن الإنتاج الزراعى العائلى بصفته الركيزة الأساسية للزراعة المصرية ونقطة قوتها الأولى. فإن دعم صغار الفلاحين هو فى آن واحد من أفضل الطرق للتعامل الجذرى مع قضية الفقر الريفى كما أن له فوائد جمة على مستوى الاقتصاد القومى. كما أنه يجب التأكيد على أن صغار الفلاحين والإنتاج الزراعى العائلى نعمة وليس نقمة لتميزه بالإنتاجية العالية وقلة التكلفة واستيعابه لقدر كبير من العمالة، كما أن أنماط الزراعة التقليدية القائمة على المعارف والخبرات الزراعية المتوارثة هى الأكثر ملائمة للظروف البيئية المصرية وأخيرا وليس آخرًا فإن هذا النمط من الإنتاج الزراعى هو المنتج الأساس للمحاصيل التقليدية وعلى رأسها المحاصيل الغذائية الأساسية وعليه فإنه يقوم بالدور الأهم فى توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أن هناك الكثير من المفاهيم المغلوطة فيما يخص قضية تفتيت الأراضى الزراعية إذ لابد أولًا أن نفرق بين الحيازة والإدارة فهناك حيازات كبيرة تدار بشكل يعمق مساوئ التفتيت والعكس صحيح- وهناك حلول عديدة للتعامل مع هذه القضية منها ما كان متبعًا من قبل مثل الدورة الزراعية والأشكال الأخرى من التعاون والتنسيق بين المزارعين من أصحاب الحيازات المتجاورة.

 

و فى هذا المجال يجب الدعوة إلى:

 

1. قيام الدولة بدورها فى دعم المزارعين سواء فى توفير المستلزمات الزراعية بأسعار معقولة أو فى ضمان أسعار المحاصيل الأساسية.

 

2. التعامل مع مسألة التفاوت الشديد فى هيكل الملكية الزراعية عن طريق إعطاء الأولية للفلاحين المعدمين فى الحصول على الأراضى الجديدة وإيجاد طرق تمويل للمعدمين وأصحاب الملكيات المتقزمة لشراء الأراضى المملوكة للملاك الغائبين.

 

3.   ضمان الأمان الحيازى لمستأجرى الأراضى الزراعية عن طريق عقود طويلة الأجل و مسجلة فى الجمعيات الزراعية بحيث تسمح للمستأجر أن تكون له صفة قانونية تمكنه من التعامل مع الإدارات الزراعية و قنوات التسويق والائتمان، كما تحفزه على التخطيط السليم وخدمة الأرض بما يضمن الحفاظ على جودتها.

 

4. توفير الحماية القانونية والاجتماعية للعاملين الزراعيين والعاملات الزراعيات وضمان حقوقهم التى تكفلها لهم قوانين العمل والاتفاقيات الدولية.

 

ثالثا: احترام الموارد الطبيعية

 

والاستدامة البيئية:

 

تدهورت الحالة البيئية للأراضى الزراعية والمجتمعات الريفية فى السنوات الأخيرة بشكل خطير وانعكس هذا التهديد على الأخطار الصحية التى تواجه سكان الريف وكذلك على حالة الأراضى الزراعية والمنتجات الزراعية مما يشكل تهديدا شديدا ينذر بالانهيار الكامل لهذا القطاع. ومن أبرز هذه التهديدات:

 

• الإفراط فى استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية وانعدام الرقابة على هذه المنتجات ما أدى إلى الانتشار الواسع لاستخدام مواد ضارة للغاية بالبيئة وبصحة المواطنين، وترتبط هذه الظاهرة بشكل مباشر بأنواع الفساد الخاصة بسطوة الشركات الكبرى وتحالفاتها مع السلطة السياسة ومثال على ذلك قضية المبيدات المسرطنة المرتبطة باسم وزير الزراعة الأسبق يوسف والى.

 

• أخطار شديدة تهدد التنوع البيولوجى الزراعى والمتمثل أساسًا فى اندثار اصناف الزراعات المحلية المتوارثة لصالح البذور المهجنة التى تنتجها وتسوقها شركات البذور العالمية ما أدى إلى تقلص التنوع واختفاء الأصناف البلدية التى تميز الزراعة المصرية وتلعب دورا أساسيا فى التوازن البيئي

 

• تفاقم ظاهرة البناء على الأراضى الزراعية وتداخلها مع أسباب الفساد المحلية ما يشكل خطرًا شديدًا على أهم مورد طبيعى تمتلكه مصر.

 

وعليه،

 

• دعم التوجه نحو الزراعة البيئية عن طريق تشجيع الزراعة العضوية والزراعة النظيفة مع وضع معايير صارمة تحدد الاشتراطات الصحية والبيئية الملزمة لمنتجى ومستوردى المستلزمات الزراعية من بذور ومبيدات و اسمدة.

 

• العمل على إحياء الأصناف المحلية المهددة بالاندثار وتشجيع المزارعين على انتاجها وتسويقها وكمنتجات مميزة. 

 

• وضع ضوابط صارمة فيما يخص البناء على الأراضى الزراعية خاصة وأن معظم التعديات فى هذا المجال تتم من قبل مراكز القوى المحلية وتهدف بالأساس إلى المضاربة. والعمل على وضع سياسات واقعية تحقق التوازن بين الحق فى السكن الريفى من ناحية والحفاظ على هذا المورد الحيوى من ناحية أخرى.

 

الزراعة فى مصر بحاجة عاجلة إلى إنقاذ ولا سبيل إلى ذلك دون إحداث قطيعة حقيقية مع السياسيات الزراعية السابقة ودون اختيار سياسى واضح تتكامل فيه مبادئ العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وحماية الموارد الطبيعية ودون التأكيد على بديهية ألا جدوى من أى حلول لا يكون الفلاح و الفلاحة فى القلب منها.

 

 

 

باحثة مصرية

التعليقات