عقبات في طريق البحث العلمي - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 11:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عقبات في طريق البحث العلمي

نشر فى : السبت 25 مارس 2023 - 7:30 م | آخر تحديث : السبت 25 مارس 2023 - 7:30 م

فى مقال الأسبوع الماضى تحدثنا عن بعض العقبات فى طريق البحث العلمى فى العالم ككل وفى الدول النامية بوجه خاص، الحديث موصول فى هذا المقال عن هذا الموضع الهام والمؤرق للكثيرين، الأبحاث المنشورة وأهميتها والجوائز التى يحصل عليها الباحثون تعتبر من القوة الناعمة لأى دولة، قيمة الأبحاث نفسها وتطبيقاتها لها مردود اقتصادى وعسكرى إذا أُحسن استغلالها، لذلك فمناقشة العقبات فى طريق البحث العلمى هى أول الطريق لإيجاد حلول لها، لكن يجب أن نضع فى الاعتبار أن لكل دولة خصوصياتها والحلول يجب أن تأخذ فى الاعتبار حالة كل دولة فمثلا الدول النامية يجب أن تعطى الأولوية للأبحاث التطبيقية التى تحل مشكلات على الأرض لكن قد لا تنتج أبحاثا منشورة فى مجلات عالمية معتبرة، الدول ذات الباع الطويل فى البحث العلمى والميزانيات الضخمة تكون عندها رفاهية البحث العلمى فى العلوم الأساسية والتى قد لا يكون لها مردود على المدى القريب.

من عقبات البحث العلمى هو التعريف الدقيق لمعنى الخبرة، المشروعات العلمية الكبيرة وتنفيذها على أرض الواقع تحتاج باحثين وتحتاج خبراء فى اختيار أنسب الوسائل للتطبيق إلخ. الخبرة فى الكثير من الدول خاصة النامية تعنى شخصا مسنا أمضى عدة عقود فى عمل أو تخصص ما، هذا التعريف قاصر جدا، أولا الشخص قد يمضى عقودا فى وظيفة ما ولا يتقنها، ثانيا أنت قد تحصل على خبرة كبيرة فى وقت ليس بالطويل فى أيامنا هذه خاصة وأن وسائل الحصول على المعلومات وتحليلها أصبحت أكثر فاعلية وسرعة ودقة، هذا معناه أن الشخص الخبير يمكنه استخدام تلك الأدوات مما يوفر وقتا كان يحتاجه الخبراء فى الماضى للقيام بتلك المهمات بأنفسهم وليس باستخدام الأدوات، وهذه الأدوات فى تقدم مستمر وتزاوجها مع الذكاء الاصطناعى ستغير من تعريف من هو الخبير. لكن هناك صفة ثالثة للخبير فى منظور الكثير من الدول النامية بالإضافة إلى السن وعدد السنين فى وظيفة ما وهى أنه درس أو عمل فى الخارج أى فى دولة من الدول المتقدمة، وهذا يقود إلى العقبة التالية.

عقدة الخواجة هى عقبة كبيرة فى طريق البحث العلمى لأنها تجعل الباحثين فى الدولة نفسها يحسون بالظلم، تخيل شخصا يرى من هو أقل كفاءة يتم تعيينه أو تكليفه بمشروع ما فقط لأنه حاصل على شهادته من الخارج أو يعمل بالخارج، هذا الشخص الذى لم يتم اختياره سيشعر بالظلم وهذا سيؤثر على كفاءته فى البحث العلمى بل وقد يدفعه هذا لترك المجال كله أو ترك البلاد والسفر لدول أخرى وزيادة نزيف العقول التى تعانى منه أغلب الدول النامية. ناهيك طبعا عن أن الشخص «الخواجة» الأقل كفاءة لن يقوم بالمهمة الموكلة إليه بأفضل الطرق. أصل عقدة الخواجة يأتى من أن الناس فى الكثير من الدول النامية لا يثقون فى الجوائز والمناصب العلمية فى دولهم لذلك يجب على الشخص أن يتم تعيينه أو تكريمه من مكان خارجى معروف حتى يتم الاعتراف به فى الداخل.

من عقبات البحث العلمى أيضا دور الجامعة، فى الدول المتقدمة الأستاذ الجامعى يقوم بالبحث العلمى مع طلابه بالإضافة إلى مهامه فى التدريس، وفى أغلب الأوقات يقوم بأقل مجهود فى التدريس ويركز أكثر على البحث العلمى. الدول النامية تحاول تقليد ذلك مما يؤثر سلبا على البحث العلمى لأن الدول النامية تحتاج جيلا جديدا من الباحثين، وهذا الجيل لن يأتى إلا بالتعليم الجيد وهذا لن يحدث ما لم يركز الأستاذ الجامعى على التدريس بدلا من التركيز على نشر أبحاث فى مجلات محلية ضعيفة فقط ليحصل على الترقية وبالتالى زيادة فى المرتب أو ليقول الناس عنه إنه باحث، وبذلك تفقد الجامعة التدريس والبحث العلمى معا. رأيى والذى قد يحتمل الصواب أو الخطأ أن الدول النامية يجب أن تركز فى جامعاتها على التدريس لمدة جيل وتخريج جيل قوى وتكون الترقيات بأنشطة متعلقة بالتدريس، ثم يبدأ دخول البحث العلمى التطبيقى الذى يحل مشاكل على الأرض كما قلنا، ثم عندما تصبح الدولة أكثر تقدما يبدأ البحث العلمى فى العلوم الأساسية. هناك حل آخر وهو وجود نوعين من أساتذة الجامعة: نوع تكون مهمته الأساسية هى التدريس ويتم تقيمه وترقيته على هذا الأساس والنوع الآخر هو من يعمل فى البحث العلمى. العقبة الأساسية فى هذا الحل الثانى أن أغلب الأساتذة لا ترى التدريس فى نفس درجة «الوجاهة الاجتماعية» للبحث العلمى، للأسف، طبعا هناك استثناءات وهناك من يبرع فى التدريس والبحث العلمى معا لكنهم قلة فى العالم أجمع.

وللحديث بقية

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات