فى اليوم السابق لصدور الحكم على مبارك بالسجن المشدد ثلاث سنوات وعلى نجليه علاء وجمال بالسجن المشدد أربع سنوات فيما يعرف بقضية القصور الرئاسية نشرت الجريدة الإلكترونية «مدى مصر» تحقيقا فريدا لحسام بهجت بعنوان «قصور آل مبارك: كيف أنفق المصريون دون علمهم على الحياة الباذخة للأسرة الحاكمة» لو عرفنا بخبر الحكم على مبارك فى القضية دون أن نقرأ التحقيق ربما لما شعرنا بأهمية هذه القضية التى هى بالتأكيد ليست أكبر جرائم مبارك ولكنها الآن ستحفر مكانها فى ذاكرتنا بسبب تحقيق حسام بهجت وتسليط الضوء على التفاصيل الدقيقة للفساد وآلياته اليومية وتعرفنا عن قرب على نسيج الفساد ولمسناه وشممنا رائحته العفنة.
تتعلق القضية بوقائع الفساد والاستيلاء على المال العالم وتزوير المستندات الخاصة بتحميل أجهزة الدولة على مدى سنين طويلة تكاليف كل ما يتعلق بقصور آل مبارك وممتلكاتهم الخاصة عن طريق تزوير المستندات بحيث تبدو وكأنها «تكاليف لأعمال صيانة وهمية فى عدد من أبراج الاتصالات المنتشرة فى أنحاء الجمهورية بغرض توفير خطوط اتصالات آمنة لرئيس الجمهورية» كما ورد بالمقال. تتضمن تلك الأعمال على سبيل المثال تجهيز مقبرة حفيد مبارك المتوفى وتأثيث جناح خاص لابنة جمال مبارك. يتضمن المقال رابطا يحيلك إلى قائمة طويلة بالمصروفات الخاصة بكل تفاصيل حياتهم الباذخة. ستصيبك القائمة بفوران الدم والغثيان ــ كل ذلك البذخ كان من لحمنا الحى.
•••
لم نكن لنعلم أيا من تلك الأمور لولا استماتة البطل الحقيقى للقصة معتصم فتحى ضابط الشرطة السابق الذى عمل بهيئة الرقابة الإدارية والذى حارب من أجل أن يتم التحقيق فى قصة الفساد هذه وغيرها. القصة طويلة ولا يمكن تلخيصها ولابد من قراءتها كاملة.
ندين جميعا بالشكر العميق لمعتصم فتحى ولكن هذا لا يكفى على الإطلاق. تعرض معتصم للتنكيل به بسبب تصديه للفساد ولتستر القيادة السياسية على شبكات الفساد المتغلغلة على أعلى مستوى، فمع التغييرات التى حدثت فى قيادات هيئة الرقابة الإدارية بعد 3 يوليو 2013 فوجئ معتصم بقرار نقله إلى فرع صغير للرقابة الإدارية بمحافظة البحيرة ثم تم تجريده من رتبته ونقله لوظيفة مكتبية بإدارة الشئون القانونية بوزارة التجارة. وفضلا عن خفض مرتبه الشهرى من 12 ألف جنيه إلى 1400 جنيه وفقدانه الامتيازات التأمينية وحرمانه من مكافأة نهاية الخدمة يتعرض معتصم الآن للتهديدات له ولأسرته.
•••
كلنا نكره الفساد ــ أليس كذلك؟ لكن محاربة الفساد مسئوليتنا جميعا ــ مسئوليتنا أن نبحث ونتحرى بأنفسنا وأن نحاربه فى مواقعنا والأهم من ذلك أن نسائل السلطة على كل تفصيلة وأن نحارب من أجل حقنا فى المعرفة. فالتحرى والاستقصاء ليست مهمة حسام وحده ومواجهة الفاسدين ليست مهمة معتصم وحده.
لم آر للآن سوى هذا الهاشتاج البسيط على تويتر # شكرا_معتصم_فتحى وهو تعبير رمزى بسيط عن شكرنا وعرفاننا بالجميل لكن هذا لا يكفى على الإطلاق. الأمر العاجل الآن هو أن نتحمل مسئوليتنا فى حماية معتصم والالتفاف حوله حتى يسترد حقه ويتم تكريمه ومحاسبة المتسبب فى التنكيل به. نحلم بوطن خال من الفساد لكنه لن يأتينا على طبق من فضة. هى معركتنا جميعا ولا يصح أن نسمح لأبطال محاربة الفساد أن يدفعوا الثمن وحدهم.