لن يستطيع أحد فى مصر الآن أن يضع تصورا واضحا لموازين القوى الحزبية فى البرلمان القادم، فكل المفاجآت واردة، وكل الفرص متوافرة، وكل الاحتمالات متاحة، بداية من استمرار هيمنة الإخوان والسلفيين عليه، مرورا بتلقيهم هزيمة موجعة، نهاية بصعود قوى ليبرالية ويسارية وائتلافات شبابية لتشكل برلمانا متوازنا، يعبر بصدق عن كل القوى التى شاركت فى ثورة يناير.
فقبل حكم المحكمة الإدارية العليا بزوال البرلمان، وتأكيدها على حكم المحكمة الدستورية بحله، كانت أسهم الإخوان فى بورصة السياسة تميل إلى الهبوط، وتفقد تأييد قطاعات واسعة من جمهور الناخبين. وقد كانت أسباب هذا الهبوط عديدة، وربما كان أهمها عجز الإخوان عن وقف التدهور فى مستويات المعيشة وكبح ارتفاع السعار، ورغبتهم فى رفع الدعم عن السلع والطاقة استجابة لشروط صندوق النقد الدولى، مع فشلهم الذريع فى تنفيذ دعاياتهم الانتخابية التى بشرونا خلالها بدخول 200 مليار دولار، وحل مشاكل الأمن والمرور والقمامة فى 100 يوم ثم اتضح أنها كانت دخانا فى الهواء، فى نفس الوقت الذى بدأت فيه قيادات إخوانية بارزة من التنصل من برنامج النهضة الذى وعدونا بأنه سيحيل بلدنا إلى ما يشبه الجنة على الأرض، وبالإضافة لكل ذلك فشلهم الذريع فى الرد على اتهامات خصومهم لهم بسعيهم لأخونة الدولة، وكتابة دستور على مقاسهم السياسى ومزاجهم الثقافى.
وقد جاءت تصريحات قيادات الصف الأول والثانى لحزب الحرية والعدالة، لتخصم المزيد من رصيد الإخوان، كان آخرها ما قاله عصام العريان، فى دعاية انتخابية فجة، بأن معارضى الإخوان هم معارضون للإسلام وللفكرة الإسلامية، وكأن الرجل ــ والعياذ بالله ــ يمتلك سلطة إلهية فى توزيع الكفر والإيمان بين الناس، أو يمتلك ــ منفردا ــ الصلاحية للتحدث باسم الإسلام وصحيح الدين!
قد نكون كسبنا بفوز الدكتور محمد مرسى رئيسا جيدا، ولكننا بالتأكيد منينا ببرلمان مشوه كان «يستاهل» الحل، رغم المليارت التى أنفقت عليه، والتى ستنفق على البرلمان الجديد، والمؤكد أن برلمانا جديدا متوازنا ومعبرا عن كل القوى السياسية، سيقدم لمرسى حرية أكبر فى الحركة بعيدا عن نفوذ الإخوان عليه، وعن «المضايقات» التى يتعرض لها من بعض صقور الإخوان وعلى رأسهم خيرت الشاطر، كما ألمحت بذلك إحدى الصحف المحسوبة على التيار الإسلامى!
وفى المقابل، فقد شهدت الساحة السياسية تشكل كيانات سياسية جديدة على رأسها حزب المؤتمر المصرى بقيادة عمرو موسى، والتيار الشعبى بقيادة حمدين صباحى وكيانات اخرى للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح وحزب الوفد والدستور وتيارات يسارية تتحرك فى الشارع بقيادة الناشط كمال خليل بالإضافة لكيانات شبابية مختلفة، وهى كلها تبشر بأن المعركة البرلمانية القادمة ستكون أكثر نضجا وأكثر تعبيرا عن القوى الحية فى حياتنا السياسية.
الكرة الآن فى ملعب الناخبين الذين أنهكتهم كثرة الإنتخابات السابقة، ولا شك أن كل القوى السياسية مدعوة لتشجيعهم على الإقبال على الانتخابات القادمة.. وإلا فإنه سيكون بانتظارنا أكثر المفاجآت مرارة!