إن الناظر المتأمل فى السماوات والأرض لا ينتابه شك فى أن هناك قواعد عامة تحكم هذا النظام المحكم وأن هناك مبادئ وسننا تشكل إطارا عاما لكل ما فى الكون من مخلوقات وجماد.
فالموت حقيقة تصيب كل المخلوقات عند انتهاء أجلها وتصيب كل المؤسسات فى صورة بيع للأصول أو إفلاس فى وقت ما ويعصف بالدول فى صورة إفلاس أو انهيار أو مجاعة أو احتلال فى وقت ما ويصيب الموت الحضارات فتدمر أو تنتهى أو تضمحل فى وقت ما. وهكذا فقد يجمع كل ما فى الكون قواعد منظمة يراها كل ذى لب متفكر.
ومقدمات وأسباب الموت فى الانسان والمؤسسات والدول تكاد تكون متشابهة إلى حد بعيد باستثناءات خاصة ترجع بالأساس لطبيعة خلق أو حجم هذا الكيان.
وأسباب نجاح الانسان والمؤسسات والدول تتشابه ايضا إلى حد بعيد. فالإنسان الساعى فى الأرض المتعلم، قوى الجسد، مثله كالمؤسسة الإيجابية قوية التنظيم مبنية على أسس علمية مثلها كالدولة القائمة على العلم والقوة.
ومقياس النجاح نسبى فرب انسان ناجح فى عمله قوى البنيان لديه المال والسلطان لكنه عديم الأخلاق مكروه بين أقرانه مثله كمؤسسة صناعية لديها من المال والأصول والمنتجات ما تغزو بها الأسواق وفى مقابل ذلك تقسو على عمالها وتضر بيئتها ولا تدفع ما عليها من التزامات للمجتمع. مثلهم كالدولة القوية ذات الاقتصاد القوى ولكن أعداءها أكثر من حلفائها فهى تغزو العالم بجيوشها أو ربما تحرم العالم من خيراتها أو تضيق على شعوب أخرى فى تجارتها أو طعامها فيجوع الملايين ويموت الآلاف بسببها.
القواعد الكلية يكون لها بعض الاستثناءات فالتنوع فى الخلق والكون أكبر من أن نحيط به علما أو ان نبسطه فى كلام وقواعد تسرى على الجميع ومع ذلك فإن وحدة الكون لا يمكن لأى عاقل أن ينفى وجودها.
وتأتى قواعد المتابعة والمحاسبة والتقويم من ضمن القواعد الكلية التى تحكم أى كيان ناجح. فمنذ بدء الخليقة بعثت الرسل والأنبياء إلى الأرض لتعريف الناس بربهم وإعلامهم بأن هناك يوما للحساب وهو ما يدفع بقول «حاسبوا انفسكم قبل أن تحاسبوا» ولا شك أن تلك المعرفة لها عظيم الأثر على عمل المؤمنين بها.
الشركات الناجحة يجب أن يكون لديها تقارير لمتابعة ما تم إنجازه وتقويم الإخفاقات ومحاسبة التقصير مع اعطائها شهادات اعتماد للجودة والأداء مثلها مثل جميع مؤسسات الدولة كالوزارات والهيئات والتى تراقبها المؤسسات التشريعية وتحاسبها الأجهزة المختلفة، كالجهاز المركزى للمحاسبات أو يضبط عدم خروجها عن الدستور والقانون من خلال الهيئات القضائية المختلفة. أما على مستوى الأفراد فتقارير تقييم الأداء للموظفين أو شهادات الاعتماد والتدريب المستمر للمهنيين ضرورة للمتابعة والتقويم والمحاسبة.
•••
جزء كبير من مشكلاتنا أننا نتعامل مع الأحداث ومع ماضينا دون تطبيق قواعد المتابعة والمحاسبة والتقويم. فلا نتعلم من دروس الماضى ونكرر أخطاءنا ونقابل كل حدث برد فعل مختلف ومرتبك وكأننا أول مرة نعايشه. فعلى مستوى الأفراد يمضى كثير من الناس فى حياته غافلا عما يعمل وإلى أين يمضى دون أن يتوقف للحظة لمحاسبة نفسه وتقييم ما قدم. وعلى مستوى المؤسسات تعالج مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات التعليمية ملايين المرضى سنويا ولا يوجد تقرير دقيق واحد أو أبحاث كافية تتابع وتقيم ولا توجد محاسبة عن التقصير أو عدم تنفيذ المستهدفات.
فلا نقيم أداء الأطباء والمستشفيات ومدى فائدة العلاجات والعمليات الجراحية المختلفة للمرضى. أما عن التعليم، فمئات الآلاف من الطلبة يدخلون منظومة التعليم سنويا ويتخرج منها أقل كثيرا ولا يوجد تقييم فعلى لمدى استفادة الطلاب والمجتمع من هؤلاء الطلاب. تضع الوزارات الخطط ويأتى الوزير بعد الوزير ولا توجد متابعة ومحاسبة عما نفذ وما لم ينفذ. كذلك أعضاء المجالس المحلية والمجالس النيابية والمحافظين وكل مسئول مطالب بتقديم تقرير متابعة وتقييم وفى المقابل كل جهة رقابية عليها المحاسبة.
•••
إن القواعد والمبادئ المنظمة لحياة الإنسان المنتج الناجح فى حياته تنطبق أيضا على المؤسسات والدولة القوية، وعلاقة أفراد المجتمع السليم بعضهم لبعض تنطبق على علاقة مؤسسات الدولة بعضها لبعض من حيث التعاون والتكامل، ونصيحة الفرد للفرد كرقابة مؤسسات الدولة بعضها لبعض حتى أن ضمير الانسان هو كقانون المؤسسات أو كالدستور للدولة.
الكل يجب أن يعمل فى تناغم من خلال قواعد ثابتة لهدف واحد وأى خلل بتلك القواعد ينتج عنه انسان غافل أو مؤسسة أو دولة فاشلة.