أوباما ومبدأ (المسئولية) - ديفيد إجناشيوس - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 1:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما ومبدأ (المسئولية)

نشر فى : الأحد 25 أكتوبر 2009 - 11:55 ص | آخر تحديث : الأحد 25 أكتوبر 2009 - 11:55 ص

 هل هناك ما يمكن أن نطلق عليه «مبدأ أوباما»؟.. وهل كان موجودا على نحو مستتر بين الخطوط المتعرجة لسياسته الخارجية خلال الأشهر التسع الأولى لولايته؟.. أعتقد أن ذلك المبدأ موجود، ويتمثل فى دعواته المتكررة بشأن الحقوق والمسئوليات العالمية. غير أن المشكلة تتمثل فى أن هذا المبدأ لم يطبق على الأمور الصعبة بالفعل، مثل ما العمل فى أفغانستان.

كنت أحاول التركيز على إيجاد هذا «المبدأ»، لأن التفكير الإستراتيجى هو فى حقيقة الأمر نقطة ضعف الإدارة الأمريكية. ذلك أن الرئيس البراجماتى أحاط نفسه بمستشارين براجماتيين حيث أصبح لواء بحرية متقاعد يشغل منصب مستشار الأمن القومى، وأصبحت سيناتورة سابقة وزيرة للخارجية، وأصبح ضابط فى المخابرات ناجح فى مهنته وزيرا للدفاع. ولا يوجد بين هؤلاء إستراتيجيون كبار وتاريخيون من أمثال هنرى كسينجر أو زبجنيو بريجنسكى.

وعندما أعدت قراءة خطب باراك أوباما الأكثر أهمية التى ألقاها منذ بداية رئاسته، وجدت أنها تحتوى على فكرة رئيسية يجرى تكراراها المرة تلو الأخرى. ولنأخذ مثالا العبارات التى استخدمها فى خطاب التنصيب «المطلوب منا الآن هو حقبة جديدة من المسئولية». ويقوم ذلك على التبادل «تبادل المصالح والاحترام المتبادل». وكانت هذه هى الطريقة التى طرح بها أوباما الأمر فى ذلك اليوم البارد من شهر يناير، وكثيرا ما عاد إلى تكرار هذه الصيغة بعد ذلك.

ويدهشنى أن هذه الفكرة بشأن توازن الحقوق والمسئوليات تمثل الدعامة الرئيسية فى سياسية أوباما الخارجية. فتبعا لهذه الفكرة، فإن من حق إيران إنتاج الطاقة النووية السلمية، ولكن مسئولياتها تقتضى الالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؛ ومن حق إسرائيل العيش فى سلام، لكن مسئولياتها تتطلب منها التوقف عن بناء المستوطنات التى يرفضها أوباما وينادى باستمرار بوقفها باعتبارها غير شرعية.

إلا أن ما دفعنى إلى إعادة قراءة خطب أوباما كان مسئول فى الإدارة الأمريكية يعتقد أن الصحفيين فى الواقع لم يفطنوا إلى أن الفكرة الرئيسية نراها أمامنا، وتوجد بشكل متكرر. غير أن هذه صيغة تنطوى على نوع من القصور يمثل جزءا من ضعف الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بقضايا ذات الأبعاد الإنسانية، حيث إنها تعبر عن صورة للعلاقات الدولية باعتبارها بنية جامدة من القواعد والمعايير. ومرة أخرى، تُعد الحرب فى أفغانستان مثالا واضحا على ذلك.

وتقوم الصيغة التى يطرحها أوباما على أن أمريكا استردت سلطتها لأنها عادت إلى البنية الدولية التى سبق أن احتقرتها إدارة بوش. وقد قال أوباما ذلك بوضوح فى خطابه يوم 23 سبتمبر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد أوضح كيف أعادت الولايات المتحدة ارتباطها بالعالم عن طريق التعامل مع قضايا سبق أن «أدت إلى رد فعل عكسى تقريبا معادٍ لأمريكا». ووضع أوباما قائمة بهذه الإنجازات تضمنت حظر التعذيب وإصدار أمر بإغلاق جوانتانامو والانسحاب من العراق والاهتمام بمفاوضات التغير المناخى، بل وسداد الالتزامات المالية لأمريكا إلى الأمم المتحدة.

وكانت رسالة أوباما المترتبة على ذلك للعالم هى أنه «قد جاء دوركم». وقد حذر أوباما الدول التى تتحدى القانون الدولى (إيران وكوريا الشمالية) من أنها ستتعرض للعزلة. وقال إن «أمريكا تعتزم الالتزام بكلمتها بخصوص هذا الاتفاق. وهذه الدول التى ترفض الوفاء بالتزاماتها (بما أنها وقعت على معاهدة حظر الانتشار النووي) يجب أن تتحمل العواقب».

وتجسد هذه الفكرة بشأن سيادة القانون على المستوى العالمى فهمنا لطريقة تفكير أوباما التفاؤل والعقلانية والنزعة العملية. لكن مثلها مثل «تعويذة» التغيير التى أدت إلى فوزه فى الانتخابات، فإن هذه الفكرة تمثل وعاء فارغا ينتظر ملأه بتفاصيل الحياة الحقيقية والواقعية. لكنها لا تمثل إستراتيجية. إنها صيغة لكيفية حل المشكلات، لكنها لا تمثل شيئا من قبيل القيادة العالمية.

ولم يطبق أوباما هذا المبدأ على أفغانستان بشكل مباشر، لكن دعونى أحاول القيام بذلك باختصار. لقد وضع المجتمع الدولى التزاما على نفسه، من خلال الأمم المتحدة والناتو، بالمساعدة فى إعادة بناء أفغانستان. وهذه بالطبع تُعد مهمة محدودة، لكنها تحمل مسئوليات مستمرة. ويُعد تدريب الجيش الأفغانى وتعزيز الأمن إحدى هذه المسئوليات؛ ويمثل دعم التنمية الاقتصادية والحكم الأفضل مسئولية ثانية؛ لكن الأمر الأهم هو تشجيع المصالحة السياسية الأفغانية، وهو مسئولية ثالثة.

ولا تتوافق فكرة أن الولايات المتحدة يمكنها التخلى عن هذه المهمة واختيار إستراتيجية أكثر أنانية تقوم على مكافحة الإرهاب وتُسقط جانب إعادة البناء وتهدف إلى اغتيال أعداء أمريكا باستعمال طائرات البريداتور من ارتفاع 10 آلاف قدم بشكل كبير مع أى قراءة لمبدأ أوباما. وسأقولها بطريقة فظة: ستُعَد هذه المقاربة خارجة عن القانون.


(c) 2009, Washington Post Writers Group

التعليقات