ليالي موسكو وثلوجها - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليالي موسكو وثلوجها

نشر فى : الإثنين 25 ديسمبر 2023 - 7:00 م | آخر تحديث : الإثنين 25 ديسمبر 2023 - 7:00 م

نصحنى الصديق شريف جاد، مدير النشاط الثقافى بالمركز الثقافى الروسى بالقاهرة، قبيل التوجه لزيارة روسيا، قبل أيام ضمن وفد صحفى مصرى، بحمل أثقل ملابسى، وارتداء حذاء جلدى أشبه بأحذية الجنود، للتعامل مع الثلوج التى تتساقط فى مثل هذا الوقت من العام على غالبية المدن الروسية، لكن من سمع ليس كمن لمس الصقيع القادر على اختراق أكثر التحصينات الدفاعية ولو صنعت من الصوف الخالص.
داخل صالة الوصول فى مطار موسكو طالبنا مستقبلنا بمزيد من التحصينات اتقاء لنزلات البرد. أحكمنا الكوفيات الصوفية حول أعناقنا، واعتمر بعضنا أغطية رأس صنعت على الطريقة السوفياتية القديمة. خطونا أقل من خمسين مترا لمكان السيارة التى ستقلنا إلى الفندق ونحن نمشى بحذر بالغ خشية انزلاق أقدامنا على الجليد الذى حول الشوارع إلى ساحات للتزلج.
انتقلنا من درجة حرارة 26 مئوية مع شمس القاهرة الساطعة، إلى درجة حرارة أقل من 20 تحت الصفر، وهى نقلة نوعية، بتعبير الخبراء الاستراتيجيين ومحللى الأزمات المستعصية على الحل، ابتسمت الزميلة بسنت الزيتونى من مجلة «صباح الخير» وهى ترانى أنكمش داخل الباطلو الطويل الذى اشتريته قبل سنوات وحان وقت استعماله، بينما كان زميلنا إبراهيم عوف من «الجمهورية» يكابد الزمهرير.
فى روايته «البلدة الأخرى» يصف الروائى إبراهيم عبدالمجيد طقسا على النقيض تماما من صقيع روسيا، عندما ذهب بطله للعمل فى منطقة تبوك شديدة الحرارة فى ذروة أيام الصيف: قائلا «تبوك تنسيك أمك وأبوك»، لكن برد موسكو ينسيك ما هو أكثر!
غداة وصولنا إلى موسكو للمشاركة فى مائدة حوارية عن أزمة الغذاء العالمية، ضمن وفود صحفية جاءت من دول عربية وزملاء أفارقة وآسيويين، نسينا الصقيع ونحن ندلف إلى قاعة اجتماعات فسيحة انتظرنا فيها عدد من المسئولين الروس المعنيين بملف الأمن الغذائى، حيث جرى نقاش ساخن تناول قضية تصدير الحبوب الروسية فى ظل مناخ إقليمى ودولى ضاغط.
اختلطت الأصوات وتداخلت الكلمات باللغات: العربية والفرنسية والإنجليزية والتركية، فى غلاف من اللغة الروسية حيث نشط المترجمون لتوصيل الأفكار وتبادل الآراء بين المتحدثين فى تمازج عجيب يؤكد تقارب البشر وإن اختلفت الألسن والأعراق تأكيدا لقول الله عز وجل فى سورة الحجرات «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتقَىٰكُمۡۚ».
صباح اليوم التالى تناولنا وجبة الإفطار على عجل قبل التوجه إلى محطة قطارات موسكوفسكى فى الطريق إلى مدينة سان بطرسبرج لزيارة عدد من مصانع إنتاج معدات الأمن الغذائى من جرارات وماكينات تغليف وتعبئة الأطعمة والمشروبات. كان ضياء الصبح المختلط ببقايا غبشة الفجر يعلو السماء عندما تحرك القطار باتجاه ثانى أكبر المدن الروسية، ومع انقشاع الضباب بدأت معالم الطريق المحازى لخط السكك الحديدية تتضح أكثر فأكثر، وأنا أشاهد الثلوج تغطى أشجار الغابات الكثيفة والمنازل التى تظهر وتختفى.
رحت أستدعى معلومات إضافية عن سان بطرسبرج التى أقصد وجهتها، فهى عاصمة روسيا الشمالية ومدينة القياصرة، وتضم بين جنباتها متحف الإرميتاج الذى يعد واحدا من أكبر وأهم المتاحف الفنية فى العالم.
قبيل العودة إلى العاصمة الروسية عرجنا على مدينة سوتشى المنتجع الشتوى حيث ذابت الثلوج، ومنها إلى نوفوروسيسك قلعة تصدير الحبوب على البحر الأسود، تلك المدينة الدافئة التى لا تختلف أجواؤها عن الإسكندرية، فى الروح والسحنة الساحلية المميزة.
استقبلنا ثلج موسكو من جديد، فى طريق العودة للقاهرة لكن يبدو أننا كنا قد اعتدنا على البرد القارص، بعد سبعة أيام من التنقل بين المدن الروسية، فهرعنا، فى منتصف الليل، بروح مغامرة، إلى الساحة الحمراء لإلقاء نظرة على الكرملين، ومكان قبر لينين، ومجلس الدوما ودرة المبانى التى شهدت الأحداث الروسية الكبرى عبر قرون، ونثرنا بعض عملات معدنية فى الهواء علها، كما تقول الأسطورة، تحقق الأحلام والأمنيات مع اقتراب عام جديد.

التعليقات