يجب أن نعترف أننا فى عصر التكنولوجيا وأن من يمتلك التكنولوجيا المتقدمة ويسيطر عليها هو فى الحقيقة يسيطر على هذاالعالم، لذلك وجب علينا الاهتمام بالتكنولوجيا بمعناها الواسع أى الذى يشمل امتلاك التكنولوجيا، ثم فهمها، ثم استخدامها الاستخدام الأمثل ثم تطويرها. إذا اعتمدنا على استقدام التكنولوجيا من الخارج فقط فلن تعطينا الدول المصدرة للتكنولوجيا أحدث ما عندها وسنصبح تحت رحمتها فيما يتعلق بالصيانة والتطوير. لكن عند استقدام التكنولوجيا يجب أن نضع أمرين فى الحسبان:
استقدام التكنولوجيا أمر لابد منه كخطوة أولى لكن لا يجب أن نركن إلى ذلك فقط، بل يجب تعلم تلك التكنولوجيا ودقائقها ثم تطويرها.
يجب أن نختار التكنولوجيا التى نقرر أن نستقدمها ولا ننصاع وراء «الموضة» دائما. مثلا هل هذه التكنولوجيا ستوفر علينا نفقات قطاع معين؟ هل ستساهم فى تحسين حياة الناس؟ أو جعلها أكثر أمانا؟ أم هى فقط من باب الترفيه والكماليات؟ هل هناك نفقات للصيانة لا نقدر عليها؟ هل عندنا الإمكانات لدراسة تلك التكنولوجيا وتطويرها؟
الخطوة الثانية بعد استقدام التكنولوجيا هو فهمها ثم استخدامها الاستخدام الأمثل، وكلما كانت تلك التكنولوجيا متغلغلة فى حياة الناس كلما زادت الحاجة لفهم أعمق) للمتخصصين (وعلى نطاق واسع للعامة. الناس أعداء ما يجهلون لذلك ما لم يفهم الناس تلك التكنولوجيا فلن يستخدموها، وهذا بالتالى سيقلل من كفاءة الاستخدام وتأثيرها. مقالنا اليوم عن تعليم التكنولوجيا للناس، وحتى يكون الحديث واضحا سنأخذ مثالا لتكنولوجيا أصبحت حديث العالم كله وهو الذكاء الاصطناعى، لكن كل ما سنتحدث عنه فى هذا المقال ينطبق على أى تكنولوجيا جديدة....
عندما نستقدم تكنولوجيا جديدة ستؤثر على حياة الناس سواء إيجابا ) ولذلك استقدمناها (أو سلبا ) لكل تكنولوجيا جانبها السيئ (فإننا يجب أن نعلم الناس ماهية هذه التكنولوجيا وكيف ستؤثر على حياتهم، مع الأخذ فى الاعتبار القاعدة الذهبية: خاطبوا الناس على قدر عقولهم. عند تعليم الناس تكنولوجيا جديدة يجب أن نأخذ فى الاعتبار عدة نقاط:
هناك من عنده خلفية عن التخصص العام الذى تقع فى نطاقه تلك التكنولوجيا، مثلا تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى تقع فى تخصص مهندسى الحاسبات وعلوم الحاسب وقريبة من متخصصى هندسة الالكترونيات.
هناك من هو بعيد تماما عن هذا التخصصو هو ما يمثل السواد الأعظم من الناس.
هناك من يخاف من تأثير تلك التكنولوجيا على وظيفته.
هناك من يرى أهمية التكنولوجيا لمجال عمله لكنه يخاف من صعوبة استخدام تلك التكنولوجيا.
هناك من لا يرى أهمية لتلك التكنولوجيا.
هناك من يعمل ساعات طويلة ولا يجد وقتا حتى لمعرفة أن هناك تكنولوجيا جديدة تظهر.
لذلك عندما نبنى خطة لتعليم الناس تكنولوجيا معينة يجب أن تكون هناك محاضرات متفاوتة العمق والطول وطريقة العرض حتى تغطى جميع الأنواع التى ذكرناها....
الأشخاص المتخصصون فى مجال تلك التكنولوجيا يحتاجون محاضرات متعمقة فى المجال وسيكون منهم من سيعمل على تطوير تلك التكنولوجيا. أما الشخص البعيد تماما عن مجال تلك التكنولوجيا مثل المتخصصين فى المجالات الأدبية وعلوم الإنسانيات بالنسبة لتخصص الذكاء الاصطناعى فيجب تحضير سلسلة من المحاضرات التعريفية بالمجال وكيف بدأ وإلى أين يذهب وكيف يمكن للعامة استخدامه. الذكاء الاصطناعى مثلا له تأثيره على الأعمال الإبداعية.
من يخاف على وظيفته من التكنولوجيا الجديدة يحتاج أن نشرح له وبشفافية كاملة ما إذا كانت وظيفته مهددة وما الوظيفة الجديدة التى ستظهر ويستطيع أن يعمل بها، فالتكنولوجيا كما تتسبب فى اختفاء بعض الوظائف فإنها تتسبب فى ظهور وظائف أخرى.
إعطاء كل تلك المعلومات يجب أن يكون على هيئة محاضرات منها الطويلة العميقة لأهل التخصص ومنها القصيرة لمن لا وقت عنده، ومنها المرئى ومنها السماعى فقط لأن تركيز الناس فى هذا العصر أصبح أقل جدا من العصور السابقة لازدياد وسائل الإلهاء من وسائل تواصل وألعاب كمبيوتر بالإضافة إلى زيادة وتيرة الحياة فى هذا القرن.
هذا جميل لكن كيف نقيس مدى نجاحنا فى تعليم الناس؟...
أول ما يتبادر إلى الذهن هو عدد من تم تعليمهم، فقد نقول قد دربنا مليون شخص على استخدام تكنولوجيا معينة، هذا الرقم مهم، لكنه ليس مفيدا وحده لأن التدريب قد يكون سيئا وبالتالى المليون متدرب لن يفيدوا بلدهم بشىء. كيف نقيم هؤلاء المتدربين؟
هناك عدة اقتراحات:
كم عدد المتدربين الذين وجدوا وظائف جديدة وأبدعوا فيها بعد تلقيهم التدريب؟ هذا يستلزم متابعة المتدربين لعدة سنوات بعد انتهاء التدريب.
هل قل إحجام أو خوف الناس من التكنولوجيا الوليدة؟ هذا يستلزم جمع استبيانات من الناس على فترات متباعدة وتحليلها.
هل أثرت تلك التكنولوجيا على الاقتصاد إيجابا؟ هذا أيضا يحتاج متابعة دورية.
بعد كل هذا يجب ألا ننسى أنه إذا كانت تلك التكنولوجيا تمس حياة الناس بكل قطاعاتها «مثل الذكاء الاصطناعى» فيجب تجهيز الجيل المقبل وتحضير مواد تعليمية مبسطة للطلبة فى المرحلة الابتدائية ثم تزداد جرعتها فى المراحل اللاحقة وبهذا نستطيع أيضا اكتشاف المواهب وتنميتها مبكرا حتى تؤتى أكلها سريعا.
التكنولوجيا هى السلاح الأكبر فى هذا العالم وعلينا أن نسعى وراءه ما استطعنا.