فضيلة الشيخ المصرى.. والأسقف الإنجليزى - جلال أمين - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 1:25 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فضيلة الشيخ المصرى.. والأسقف الإنجليزى

نشر فى : الجمعة 26 مارس 2010 - 9:18 ص | آخر تحديث : الجمعة 26 مارس 2010 - 9:18 ص

 بعد نحو مائتى عام من إنشاء الأزهر الشريف فى القاهرة، حدث فى إنجلترا حادث مثير وذو مغزى عميق، قد يحب فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الجديد، أن يتأمله وأن يقارن بين ظروف يقينه والظروف التى عين فيها، فى ذلك الوقت، كبير أساقفة الإنجليز، وهو أسقف كانتربرى.

ففى منتصف القرن الثانى عشر الميلادى، التقى ملك إنجلترا هنرى الثانى، برجل نادر المثال، علما وخلقا، اسمه توماس بيكيت، فأعجب به الملك أشد الإعجاب وعينه فى وظيفة مستشار الملك، وهو منصب يعادل الآن منصب رئيس الوزراء. نشأت بين الرجلين صداقة وطيدة ازدادت قوة كلما شاهد الملك من تصرفات بيكيت ما يؤكد صدقه ونزاهته وإخلاصه للملك. ثم خلت أكبر وظيفة دينية فى إنجلترا، تكاد تقرب فى أهميتها فى ذلك الوقت، أهمية مشيخة الأزهر فى مصر الآن، وذلك عندما توفى أسقف كانتربرى.

كان الملك فى ذلك الوقت، يحتاج من أجل تبرير كثير من قراراته المهمة بل ولإسباغ المشروعية عليها، إلا الحصول على موافقة أسقف كانتربرى، فإن لم يحصل عليها فقد القرار مشروعيته وفقد أيضا تعاطف الرأى العام معه.

ظن الملك أنه إذا عين صديقه بيكيت فى هذه الوظيفة الدينية الرفيعة سوف يكون من السهل عليه تمرير الكثير من القرارات التى لا تحظى من الناس بأى شعبية.

عرض الملك الوظيفة الرفيعة على رئيس وزرائه بيكيت فأبدى ترددا ثم رفض الوظيفة إذ كان من الواضح ما يهدف إليه الملك: أن يستغل الصداقة التى نشأت بينهما لتبرير أعمال منافية للأخلاق والدين.

ولكن الملك ألح عليه بالقبول، فقبل بيكيت بعد أن حذر الملك من أنه سيكون مخلصا لمقتضيات وظيفته الجديدة، على رأس الكنيسة فى إنجلترا مثلما كان مخلصا لمقتضيات وظيفته المدنية السابقة كرئيس للوزراء. لم يأبه الملك بالتحذير، بل لعله لم يصدق أن من الممكن أن يتنكر بيكيت للمك، ويعصى أوامره احتراما للمنصب الدينى الرفيع.

بدأ بيكيت ممارسة منصبه الجديد، وإذا به يفاجئ الملك، يوما بعد يوم، بمعارضته لتصرفاته على أساس تعرضها مع التفسير الصحيح للدين. فاشتد غضب الملك عليه، ولكنه كتم غضبه حتى أصبح الأمر لا يطاق، إذ أراد الملك تتويج وريث له فى الحكم، وكان يعرف أن بيكيت، الذى كان عليه القيام بمراسم التتويج، سيرفض هذا الأمر لمعارضة البابا فى روما له، فلجأ الملك إلى أسقف مدينة يورك، وبعض الأساقفة الصغار الآخرين، للقيام بعملية التتويج، فإذا ببكيت يصدر أمرا بعزل الأساقفة الذين وافقوا على التتويج، وأطلق عليهم لعنة الكنيسة. استشاط الملك غضبا ونقمة على بيكيت، وكانت النتيجة أن ركب أربعة فرسان من أسرة الملك خيولهم، وانطلقوا إلى كانتربرى حيث قتلوا بيكيت داخل كنيسته، مما أحدث صدمة بالغة ترددت أصداؤها فى العالم المسيحى كله.

***

كان لابد أن أتذكر هذه القصة وأعود لقراءة تفاصيلها عندما قرأت ملابسات تعيين فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخا للأزهر، إذ كان الدكتور الطيب قبل تعيينه عضوا فى الحزب الوطنى بل وفى لجنة السياسات التى يرأسها نجل الرئيس. توقع الناس أن يستقيل الرجل من وظيفته السياسية مكتفيا بالمهمة الدينية السامية، ولكن الرجل لم يفعل، وأصر على أن يجمع بين مشيخة الأزهر وعضوية لجنة السياسات.

كان لابد بالطبع أن يشيد رجال الحكومة وصحفها بالشيخ الجديد ومزاياه، إذ إن هذا الجمع بين الوظيفتين هو بالضبط مطمح الحكومة وهدفها. ونحن نعرف بعد طموحات شيخ الأزهر وأهدافه، ولكن تصريحاته حتى الآن، فيما يتعلق بعضوية الحزب الوطنى ولجنة السياسات توحى بأنها تختلف عن طموحات توماس بيكيت وأهدافه. ومن المؤكد أن التاريخ لن يعامل الدكتور أحمد الطيب، إذا أصر على موقفه، نفس المعاملة الطيبة التى عامل بها الأسقف الإنجليزى.

جلال أمين كاتب ومفكر مصري كبير ، وأستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ، من أشهر مؤلفاته : شخصيات لها تاريخ - ماذا حدث للمصريين؟ - عصر التشهير بالعرب والمسلمين - عولمة القهر : الولايات المتحدة والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر.
التعليقات