تعرفت على صديقى الصحفى محمد الجارحى قبل ثورة 25 يناير بسنوات، توطدت علاقتنا من خلال مشاركتنا فى الحملة الانتخابية للكاتب الصحفى ضياء رشوان الذى خاض عام 2009 معركة انتخابية شرسة ضد الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد على مقعد نقيب الصحفيين،انتهت بفوز مكرم محمد أحمد، ووقتها سيطرت علينا مشاعر الهزيمة.
بعدها بشهور رزق صديقنا الجارحى برضيع مصاب بضمور فى المخ وقصور فى القلب وعانى من البحث عن مكان لابنه فى مستشفيات مصر.
قامت الثورة وسقط مبارك ونظامه، وعاد كل منا إلى ماكينته الخاصة، إلا الجارحى الذى دار فى رحلة من المعاناة بسبب مرض ابنه. فقد صديقنا ابنه بعد سقوط نظام مبارك بشهور، فقرر من قلب المعاناة أن يصنع من يناير ومن وفاة ابنه إنجازا يبقى ويخلد ذكرى الثورة، ويثبت أن أبناءها قادرون على البناء.
حلم الجارحى ببناء مستشفى للفقراء الذين لا يجدون مكانا فى المستشفيات، على أن يكون العلاج فيه بالمجان.
اتفق الجارحى وأصدقاؤه من أبناء قرية «الشبراوين» التابعة لمحافظة الشرقية على إنشاء جمعية أهلية اختاروا لها اسم 25 يناير لحل المشكلات التى يعانى منها الناس ومنها عمل عيادة للبسطاء والفقراء.
وفيما كانت الفضائيات تحاصر المصريين بإعلانات التبرع لبناء مستشفيات أو استكمال بناء أخرى، كان الجارحى يستخدم مواقع التواصل الاجتماعى للتبرع، وأبدع فى ذلك حتى استطاع تحويل الحلم إلى صرح كبير.
يقول الجارحى فى حوار صحفى عن مشروعه: «كنت أسأل نفسى أثناء معاناتى فى البحث عن مكان داخل أى مستشفى عن الفقراء الذين يمرض أبناؤهم أو يحتاج للحضّانة من الذين ليس لهم شبكة من العلاقات ولا حتى تابعين لمكان يتحمل تكلفة العلاج الباهظة فى المستشفيات المحترمة، فنحن لدينا علاقات وتابعون لمشروع علاج نقابة الصحفيين الذى يتحمل جزءا كبيرا، حتى توفى ابنى فى 25 أكتوبر 2011».
ويضيف: «بعد وفاة ابنى أحمد تحمّست كثيرا لتنفيذ فكرة أكبر من مجرد عيادة واحدة.. وسألت نفسى لماذا لا ننشئ مركزا طبيا به خدمات أوسع من مجرد عيادة، كنتُ حينها أركب دراجة نارية خلف أحد أعضاء الجمعية وندور فى الشوارع ونتحدث مع الناس عن المركز الطبى وكانوا يتبرعون، وبالفعل استأجرنا شقة واتفقت مع 9 أطباء وافتتحنا المركز الطبى فى 11 نوفمبر 2011 بعدما تم تجهيزه».
بعد افتتاح المركز الطبى البسيط، صوّر الجارحى المكان ونشر الصور على موقع «تويتر»، وقال إن المركز يحتاج أجهزة طبية.. كان متابعوه يعلمون ظروف وفاة ابنه وعندما رأوا الصور تحمسوا، وفى أول يوم وصل للمركز جهاز سونار من التبرعات يقدر ثمنه بـ«ثلاثين ألف جنيه»، بحسب الجارحى.
فى بدايات 2012، كان الجارحى يستقل سيارة أجرة حيث لديه لقاء هناك، وبدون تخطيط كتب على تويتر أنه فى طريقه إلى منطقة «مصر الجديدة» ومن يريد أن يتبرع للمركز الطبى فليقابله، وبالمصادفة كان يوجد معه دفتر إيصالات التبرعات.. يقول محمد «فى ساعتين فقط 4 آلاف جنيه، فقلت لم لا أكرر هذه التجربة وكتبتُ على تويتر ما حدث فى ذلك اليوم تحت هاشتاج #تاكسي_الخير».
انتشرت فكرة #تاكسي_الخير على تويتر حينها وحتى اليوم، وكانت أيام إجازات الجارحى من عمله عبارة عن الذهاب بنفسه لأماكن مختلفة بعد إعلانه على تويتر وينتظر المتبرعين أو يذهب إليهم فى أماكنهم، وكان هناك تجاوب وحماس شديدان، حتى أن كثيرين لا يعرفونه بشكل شخصى شاركوا معه فى المبادرة وبنفس الهاشتاج وقاموا بجمع التبرعات، «فكرتُ حينها إن كنتُ أريد أن أخدم الناس بحق فالمركز الطبى لن يخدمهم بشكل كامل، لماذا لا ننشئ مستشفى تعالج الناس بالمجان وتعاملهم بشكل يليق بإنسانيتهم».
كانت العقبة الأولى أمام الجارحى أن يجد أرضا لبناء المستشفى عليها، وبعد محاولات فاشلة كثيرة فى الحصول على أرض بالمجان.. استطاع أن يشترى أرضا فى نهاية 2012 و«حتى نستطيع أن نبدأ البناء كان يجب أن يكون معنا على الأقل مليون جنيه فلجأت مرة أخرى إلى السوشيال ميديا»، يقول الجارحى.
بدأ الجارحى بناء المستشفى بعد الحصول على رخصة فى سبتمبر 2014، وتحمس الناس أكثر عندما رأوا بوادر الحلم تظهر أمام أعينهم، «الرخصة كانت بثلاثة أدوار ورفض المسئولون إعطاءها لنا بسبعة أدوار كما طلبنا، وقالوا لنا تقدموا بطلب عندما تنتهوا من الأدوار الثلاثة، وعندما انتهينا بالفعل رفضوا زيادة عدد الأدوار، وسلكت كل الطرق بداية من الوحدة المحلية ومجلس المدينة والمحافظ ومجلس الوزراء وفشلت، فلجأت مرة أخرى للسوشيال ميديا التى كانت لها الفضل فى كل ما حدث بعد الله، وبالفعل الناس كلها تحركت وأصبح هاشتاج #تعلية مستشفى 25 يناير، مشهورا»، يقول الجارحى، مضيفا: «حتى هاتفنى مكتب رئيس الجمهورية وتدخّل لحل المشكلة واستكملنا بناء السبعة أدوار وهو ما تم الانتهاء من تشطيبه حاليا».
فى ظنى أن مستشفى 25 يناير هو الإنجاز الوحيد الذى تمكن واحد من شباب الثورة ومعه عدد من أصدقائه ومن المؤمنين بيناير من تحقيقه، فمعظم أحلام الثورة توارت بعد الارتدادات العنيفة التى منيت بها.
فتحية للجارحى ورفاقه، وبما أن 25 يناير لم تجد من يسوقها على خريطة إعلانات التبرعات فى الفضائيات المصرية، أدعو كل قادر أن يتواصل مع صاحبنا لاستكمال الحلم، وأدعو الفضائيات أن تخصص من مساحات إعلاناتها للتبرع بمساحة صغيرة لـ«25 يناير».