الموازنة الجديدة.. قنبلة نووية في وجه المجتمع الإسرائيلي - تقارير - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 10:25 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الموازنة الجديدة.. قنبلة نووية في وجه المجتمع الإسرائيلي

نشر فى : الجمعة 26 مايو 2023 - 8:05 م | آخر تحديث : الجمعة 26 مايو 2023 - 8:05 م
أصبح واضحا للعيان أن مصلحة نتنياهو وحكومته المتطرفة تأتى أولا ثم مصلحة إسرائيل. إذ بجانب محاولاته المستميتة لتعديل النظام القضائى، أى إحداث انقلاب قضائى يخدم مصالحه هو وحكومته، تبنى موازنة جديدة ستقود المجتمع الإسرائيلى إلى الانقسام الديموغرافى دون شك طبقا لتقديرات بعض الساسة والمحللين. فى ضوء هذا، تناولت صحيفة هاآرتس فى مقالين للكاتبين زفى بارئيل وروغيل ألفير، التداعيات السلبية لتمرير هذه الموازنة على تماسك هذا المجتمع، ودورها فى تعظيم نفوذ الطائفة الحريدية (هى طائفة يهودية متشددة) وخلق متنفس سياسى لبنيامين نتنياهو.. نعرض فيما يلى ما ورد فى المقالين.
تناول الكاتب زفى بارئيل فى مقاله أن تمرير الموازنة الجديدة بالبرلمان الإسرائيلى (الكنيست)، الأربعاء الماضى، يعد تطورا لعملية انقلاب أكثر وحشية. وتقوم أسسه على تغيير وجه المجتمع الإسرائيلى ببناء ديموغرافية جديدة، تكمن جذورها السامة فى الميزانية التى تقدم هدفين كارثيين أكثر خطورة من الإطاحة بالنظام القانونى وهما، مضاعفة عدد المستوطنين، ومحاولة إشباع الشره المرضى لدى المجتمع الحريدى. إذ طلب وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، هذا الشهر من الوزارات الحكومية الاستعداد لاستيعاب خمسمائة ألف مستوطنة أخرى فى الضفة الغربية. ووعد سموتريتش بأن «ميزانية هذه الخطوات لن تكون مشكلة».
بالنظر إلى مليارات الشواكل التى تهدرها الحكومة، يبدو أن التزام سموتريتش له أساس متين. سيأتى تمويل هذا المشروع المرتفع من جيوب أولئك الذين يحققون عائدات لهذا البلد، أصحاب الأعمال والعاملين فى مجال التكنولوجيا والموظفين بأجر، وعلى حساب الفقراء، والنظام التعليمى ــ الذى يحتل بالفعل المرتبة السفلية من درجات الإنجاز الغربية ــ والنظام الصحى المنهار.
والنتيجة (كما يقول الكاتب) هى أن المستوطنين سيصبحون بالفعل سلطة سياسية هائلة وأكثر خطورة. للتوضيح، تكمن خطورة هذه الميزانية فى تحديد الأهداف الأمنية واستخدام الجيش كقوة دفاع خاصة، وتحديد محتوى النظام التعليمى، ومضاعفة بناء المستوطنات فى الضفة الغربية على حساب مدن أخرى تحتاج إلى هذا التمويل. إذن، سيكون واحدا من كل سبعة يهود مستوطنًا بأيديولوجية عنصرية واستعمارية، وسيلزم ذلك أيضًا أى شخص ينتقل إلى هناك تبنى نفس الأيديولوجية لأسباب اقتصادية فقط.
وأضاف الكاتب أنه إذا تحققت خطة سموتريتش، فسيكون حوالى 25 فى المائة من سكان إسرائيل من الحريديم والمستوطنين، فى غضون عامين إلى ثلاثة أعوام وليس فى غضون 20 عامًا أخرى. هاتان المجموعتان تعتبران المجتمع الإسرائيلى العلمانى ودولة إسرائيل داخل الخط الأخضر تهديدًا أيديولوجيًا، أو على الأقل خطأ تاريخيًا يتطلب التصحيح.
كان نصف مليون مستوطن فى الضفة الغربية وأكثر من مليون حريديم على ما يرام مع «النظام القديم»، بما فى ذلك محكمة العدل العليا، التى حولت المستوطنات إلى كيان قانونى، ولكنها لم تنجح أبدًا فى إنفاذ القانون لإرضاء الحريديم. الآن، بعد أن سرقوا الخزانة الحكومية، يركضون نحو الثورة الديموغرافية التى ستؤدى إلى مجتمع منهك ومحدود، فاشى وجاهل.
واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن كل من يخشى على مصير المجتمع الإسرائيلى، ويخشى على المسيحية التى تندفع نحو الهاوية، وعلى الهواء الذى يتنفسه، لا يحق له تعذيب روحه بسبب ما سيحتج عليه. لم تعد هذه مجرد معركة على شخصية النظام، إنها حرب بقاء.
• • •
وفى المقال الآخر الذى نشرته الصحيفة ذاتها ناقش الكاتب روغيل ألفير فيه، أسباب خطورة تلك الموازنة على المجتمع الإسرائيلى. فى البداية، أشار كاتب المقال إلى توقعات خبير التنمية الاقتصادية البروفيسور دان بن دافيد، فى سنة 2065، بأنه سيكون 40% من مواليد إسرائيل من الحريديم، و15% من العرب، و35% من اليهود المتدينين وغير المتدينين. وعلى افتراض أنه لن يطرأ انخفاض كبير فى حجم الولادات فى القطاع الحريدى، ولن يحدث ارتفاع مهم فى مستوى التعليم فى هذا القطاع، فإن الاقتصاد الإسرائيلى سينهار، وستصبح إسرائيل دولة متخلفة، والجزء الأكبر من سكانها يعانى جرّاء الجهل الذى يبدأ من عدم الحصول على تعليم أساسى فى المدارس الابتدائية.
هذه الأرقام تؤكد أن الهوة التى توجد تحت أقدام المجتمع الإسرائيلى ناجمة بالأساس عن المجتمع الحريدى، وليس عن المجتمع العربى. بعد 40 عاما، سيكون عدد الأولاد الحريديم فى إسرائيل أكبر بكثير من العرب. ويعتقد بن دافيد أن مستوى التعليم يؤثر فى حجم الولادات، ويمكن أن يشجع الحريديم على إنجاب عدد أقل من الأولاد، والحصول على تعليم أكثر. وهو يحرص على الدقة السياسية فى تعابيره: المشكلة ليست فى الحريديم أنفسهم ــ ففى رأيه، هم «مساكين» ــ بل المشكلة فى زعمائهم، وفى سياسيّيهم. وهذه الحجة غريبة. فعضو الكنيست موشيه غافنى (عن حزب يهدوت هتوراه) والوزير يتسحاق غولدكنوبف (أغودات إسرائيل) هما ممثلان للجمهور، ويستمدان قوتهما السياسية من ازدياد عدد المواطنين الإسرائيليين الحريديم الذين يحق لهم الاقتراع ويصوتون لهما. هناك نوع من التكبر فى الموقف الذى يرى فى الحريديم ضحايا أبرياء لسياسيّيهم وعاجزين. هم يحصلون بالتحديد على أعضاء الكنيست الذين يستحقونهم.
استكمل الكاتب مقاله بالإشارة إلى تنبؤات د. غلعاد ملاخ، رئيس مشروع الحريديم فى المعهد الإسرائيلى للديمقراطية، والذى توقّع حصول الأحزاب الحريدية فى سنة 2040 على 23 مقعدا، وفى سنة 2050، على 25 ــ 26 مقعدا، وفى سنة 2060، على 28 مقعدا. إن الميزانية والتشريعات الدينية فى الحكومة الحالية تشير، بوضوح، إلى نية المجتمع الحريدى ــ الذى يتحول بسرعة إلى العامل المسيطر فى إسرائيل ــ أن يفعّله بكل هذه القوة السياسية التى يملكها: تسخير العلمانيين فى خدمته، وفى الدفاع عنه، وتشجيع الجهل والفقر. وهذه أمور واضحة كالشمس.
وينهى الكاتب مقاله بالقول إنها قنبلة نووية حريدية. مشروع نووى اجتماعى منظّم سيدمر إسرائيل الليبرالية والمتعلمة والمزدهرة. نحن بحاجة إلى الكثير من العقود لنغيّر توجهات الولادات والتعليم، ونرى نتائج على الأرض. لكن إذا كان التعليم والتقليصات فى المخصصات الاجتماعية لا يشجعان الحريديم على وقف إنجاب الكثير من الأطفال الذين لا يستطيعون إعالتهم بأنفسهم، فهل معنى ذلك أن المشكلة بحد ذاتها غير قابلة للحل؟ إذا كانت هذه هى الحال، ففى إمكان إيران التخلى عن برنامجها النووى، وأن تنتظر، بصبر، الانفجار النووى الحريدى.

إعداد: وفاء هانى عمر
النص الأصلي 1


النص الأصلي 2

التعليقات