المستقبل والتكنولوجيا - محمد زهران - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المستقبل والتكنولوجيا

نشر فى : الجمعة 26 يوليه 2024 - 7:35 م | آخر تحديث : الجمعة 26 يوليه 2024 - 7:35 م

عنوان هذا المقال هو عنوان الندوة التى عُقدت هذا الشهر على هامش معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب والتى شرُفت بالمشاركة فيها. كنت قد حرصت ألا يتضمن العنوان عبارة «الذكاء الاصطناعى» مع ما قد يسببه هذا من قلة عدد الحضور. السبب وراء إصرارى ألا ننجرف وراء «الموضة»، ليست كل التكنولوجيات مجرد ذكاء اصطناعى. السبب الثانى وراء إصرارى هو الحصول على حرية الحديث عن التكنولوجيات الأخرى النافعة والمؤثرة فى حياتنا وكذا تفاعلها مع الذكاء الاصطناعى. هناك تكنولوجيات بدونها لم نكن لنسمع عن الذكاء الاصطناعى خارج المؤتمرات المتخصصة والأوراق البحثية وقاعات التدريس، فمثلا:

تصميم الحاسبات فائقة السرعة هو أحد الأسباب الجوهرية لانتشار الذكاء الاصطناعى على نطاق واسع لأن «تعليم الآلة» وهو ما يقصده الناس حين يذكرون عبارة الذكاء الاصطناعى يحتاج تلك الحاسبات. قبل استخدام برنامج مثل «chatGPT» يجب «تعليمه» أولا عن طريق المعلومات الموجودة على الانترنت وهذا يحتاج حاسبات فائقة السرعة. حرف ال«P» فى «chatGPT» تعنى «pre-trained» أى تم تدريبها أو تعليمها. أى أن برمجيات الجيل الحالى من الذكاء الاصطناعى تحتاج «تعليما» قبل الاستخدام.

تطور تكنولوجيا الحصول على المعلومات التى بها يمكن تعليم الآلة. كل ما تفعله على وسائل التواصل الاجتماعى هو معلومات، لكن أيضا الكاميرات فى الشوارع والميادين هى ايضا مصادر للمعلومات، الأقمار الاصطناعية مصادر للمعلومات، المجسات التى نضعها فى الأراضى الزراعية لنعرف استهلاك المياه هى ايضا مصادر للمعلومات، تلك المجسات تطورت تطورا كبيرا فى السنين الأخيرة وأصبحت تستخدم فى أماكن كثيرة مثل السيارات والأراضى الزراعية والطرق إلخ ونطلق عليها انترنت الأشياء.

تطور تكنولوجيا التخزين يعتبر من أهم أسباب انتشار الجيل الحالى من الذكاء الاصطناعى. هذا الكم الهائل من المعلومات والبيانات التى ينتجها العالم كل ثانية تحتاج إلى قدرة تخزينية هائلة حتى يتسنى تصنيف هذه المعلومات واستخدامها فى تعليم الآلة.

أيضاً كلمة المستقبل هنا مهمة، هل نقصد المستقبل القريب (أقل من خمس سنوات)؟ أم المتوسط؟ أم البعيد؟ فضلت فى كلمتى أن أركز على المستقبل القريب، عندما نحاول التنبؤ بالمستقبل المتوسط أو البعيد فإن احتمال الخطأ كبير جدا، مثلا هناك شخص قال فى فجر صناعة السينما إن تلك الصناعة لن تنجح وسيملها الناس وسيفضلون المسرح، قائل هذه العبارة هو تشارلى شابلن.

هناك من قال إن العالم لن يحتاج أكثر من خمس أجهزة كمبيوتر، هذا الشخص هو توماس واطسون مؤسس شركة أى بى إم. لذلك آثرت أن أتحدث عن المستقبل القريب. فى بقية المقال سنتحدث عن بعض النقاط الهامة التى أثيرت أثناء الندوة. الندوة تتكون من ثلاثة متحدثين منهم كاتب هذه السطور ومدير بارع جدا للحوار. 

...

أحد الأسئلة التى أثارها أحد الشباب الواعد فى الحضور هو أهمية الذكاء الاصطناعى للتاريخ، ولنقل للعلوم الإنسانية ككل. الذكاء الاصطناعى هو فى النهاية أداة يمكن تطويعها لتُستخدم فى أى مجال. لكن «الفن» هو كيفية استخدامها الاستخدام الأمثل. إذا استخدمتها لكتابة تقرير عن موضوع معين وأخذته كما هو دون مراجعة فهذا غش. إذا راجعته وصححت أخطاءه فهى خطوة على الطريق الصحيح. إذا أعطيت هذا التقرير الجديد للبرمجيات لتصحيح اللغة وترتيب الفقرات إلخ فهذه خطوة أخرى. يمكنك أيضا استخدام برمجيات يمكنها التعرف على وتحليل الوثائق وقراءة ما لم يستطع الباحث قراءته من الوثيقة. يمكن أيضا استخدام الذكاء الاصطناعى لجمع المعلومات التاريخية عن حدث ما من عدة مصادر وإيجاد التناقض بينها إن وُجد. هذه فقط بعض الأمثلة.

...

سؤال آخر من الجمهور كان عن مدى قدرتنا على منافسة الدول المتقدمة. التكنولوجيا ليست ديموقراطية بطبعها. هناك دول تمتلك حاسبات فائقة السرعة ودول لا تمتلكها. لكن قدرات مثل برمجة تلك الحاسبات وفن استخدام الذكاء الاصطناعى فى المجالات المختلفة وتطوير نظريات الذكاء الاصطناعى لا تحتاج إلا إلى قدرات عقلية ودأب على العمل ونحن نمتلك من المواهب ما يكفل ذلك. هناك شركات مثل أمازون ومايكروسوفت تستطيع «تأجير» حاسبات فائقة السرعة لمن يريد وتسمح لك باستخدامها عن طريق الانترنت وانت فى بلدك. 

...

من النقاط الهامة التى أثيرت فى الندوة استخدام الذكاء الاصطناعى فى التعليم، هل نسمح للطلاب باستخدام برمجيات مثل «chatGPT» فى كتابة أبحاثهم؟ أعتقد أن الإجابة هى نعم، وذلك لسببين:

لن نستطيع منع الطلاب من استخدام تلك البرمجيات، فهى موجودة على الانترنت وكتطبيقات على التليفون المحمول.

البرمجيات التى تكشف غش الطالب أى استخدامه للبرمجيات لكتابة البحث ليست دقيقة وحيث أن الشك يكون لمصلحة الطالب فإن تلك البرمجيات ليست ذات فائدة كبيرة.

لذلك يجب أن نسمح للطلاب أن يستخدموا تلك البرمجيات على أن نشرح لهم الاستخدام الأمثل ونطلب منهم بعدها شرح تجربتهم. برمجيات المحادثة ستغير من أسلوب برمجة الحاسبات وستغير الكثير فى العملية التعليمية، هى كالطوفان لن نستطيع إيقافه لكن علينا التعامل معه بحكمة.

...

يجب ألا ننسى أنه لو أصبح كل الباحثين لدينا يعملون فى مجال الذكاء الاصطناعى لفسدت المنظمة البحثية ولن نستطيع المنافسة. نحتاج من شباب الباحثين والخريجين الآتى:

أن يتفوقوا تفوقا كبيرا فى مجالهم أيا كان (تاريخ، علم اجتماع، علم نفس، ...).

أن يتابعوا تطور الذكاء الاصطناعى من وجهة نظر المستخدم لا الباحث وأن يستخدموه كأداة للمساعدة فى تخصصهم. نريد أ نرى المؤرخ الذى يستخدم الذكاء الاصطناعى وعالم الاجتماع الذى يستخدم الذكاء الاصطناعى إلخ. لاحظ أننى أتكلم هنا عن المتخصص فى مجال غير الذكاء الاصطناعى مثل العلوم الإنسانية والعلوم الأساسية.

نريد من يدرس تأثير استخدام التكنولوجيات المختلفة (وليس فقط الذكاء الاصطناعى) على حياة الناس. هذا يقع فى صميم تخصص علماء النفس والاجتماع.

نريد متخصصين فى برمجة الحاسبات فائقة السرعة وبرمجة انترنت الأشياء.

نريد متخصصين فى علوم البيانات (data science) فالمعلومات هى أكسير الحياة لبرمجيات الذكاء الاصطناعى.

وبالطبع نريد متخصصين فى نظريات الذكاء الاصطناعى

نعم نستطيع المنافسة عالميا إذا أردنا وإذا تم توحيد الجهود والتعاون بين التخصصات المختلفة كما بينا أعلاه.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات