هل عدنا إلى التفكير من داخل الصندوق؟ - ابراهيم عرفات - بوابة الشروق
الجمعة 27 سبتمبر 2024 8:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل عدنا إلى التفكير من داخل الصندوق؟

نشر فى : الأربعاء 26 أكتوبر 2011 - 10:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 26 أكتوبر 2011 - 10:15 ص

«رأينا مصر قبل 25 يناير لا تتغير برغم كل النقد والمعارضة والاحتجاج، ولهذا فكرنا من خارج الصندوق فكانت الثورة». عبارة ساقها بعض الشباب ليؤكدوا أن الحل فى مصر ما كان ليكون تقليديا، أى من داخل الصندوق بعد أن ثبت أن الإصلاح من قلب النظام القديم مستحيلا. والتفكير من خارج الصندوق ليس سهلا والأصعب منه تطبيقه. فهو أقرب إلى تمرد فى الرأى بطرح أفكار غير مسبوقة، بينما الناس تميل بعادتها إلى استعمال قوالب جاهزة لا يفكرون عادة خارجها إلا لو بلغ بهم السيل الزبد. كما أنهم بطبعهم يلجأون إلى الوسائل المسموحة قبل أن يفكروا فى الوسائل «الممنوعة». ولهذا كانت ثورة يناير نموذجا رائعا للتفكير من خارج الصندوق صاحبها أمل واسع فى أن تأتى الحلول لمشكلات مصر أيضا من خارج الصندوق بعيدا عن الأفكار النمطية. لكن متابعة الحال بعد سبعة أشهر من الثورة يكشف عن مظاهر متنوعة للعودة إلى التفكير من داخل الصندوق. وهو أمر خطير. فالثورة تعنى السرعة، ونحن نفكر ونتحرك ببطء. وتعنى الجرأة ونحن نخطو بحذر مبالغ فيه. وتعنى إسقاط التابوهات، بينما التيارات السياسية نراها كلها تقريبا تتعصب لأفكارها وكأنها مقدسات لا تُمس. فى الاقتصاد مثلا جاءت ميزانية الثورة شبيهة بميزانية ما قبل الثورة وأعلنت الحكومة أنها ستعتمد على نفس الأدوات المالية التقليدية. وفى السياسة الخارجية لا يشعر المرء بأن طريقة التعامل مع إسرائيل قد اختلفت أو أن مصر تدعم الثورات العربية التى رأت فى ثورة المصريين قدوة ونموذجا. حتى الإعلان الدستورى أخذ مواد من الدستور السابق فأبقى مثلا على نسبة العمال والفلاحين. والعودة للتفكير من داخل الصندوق تعنى أن الثورة فى خطر، وأنها قد تنتهى بإنجازات تقل بكثير عما حلم به كل مصرى خرج وغامر بنفسه وفكر بإبداع من خارج الصندوق.

 

●●●

 

قد لا يكون التفكير من خارج الصندوق مطلوبا كل يوم لكنه أيضا لا يجرى كل يوم. ولهذا ما أن يبدأ يجب توظيفه بسرعة وكفاءة. كما أن السياسة مهما جرى التفكير فيها من خارج الصندوق إلا وتعود من جديد إلى المؤسسات. والطريقة التى تعود بها السياسة فى مصر إلى المؤسسات تنبئ عن أننا نعود إلى التفكير بشكل نمطى يخلو من الإبداع. ووراء ذلك ثلاثة أسباب. أولها أن رجال الإدارة القدامى ما زالوا فى مواقعهم قد يصعب إزاحتهم عنها لكن يبقى مهما تغيير طريقة تفكيرهم فيها. وهؤلاء جامدون بطبعهم لا يطمئنون إلا لو بقوا يفكرون من داخل الصندوق. والسبب الثانى أن غالبية المصريين عادت بعد إسقاط النظام القديم إلى همومها الحياتية الخاصة ما خفف الضغوط الشعبية من أجل تبنى حلول غير نمطية. والسبب الثالث أن النخبة المصرية الجديدة انقسمت إلى فرق عاد كل منها بعد الثورة ليفكر من داخل صندوقه الخاص بدلا من أن يخرجوا كلهم منها ليفكروا فى الوطن كمجال عام. إن ثورة يناير لن تتكرر لا بعد شهر أو سنة أو عشر سنوات ولو ضيعنا ما أتاحته من فرص للتفكير الإبداعى الجرىء من خارج الصندوق فسنعود للتفكير من جديد بشكل نمطى من قلب صندوق ما. وهو ما لا يصح لأنها ثورة يفترض أنها أطلقت فى المصريين ملكة رائعة هى التفكير بعيدا عن القوالب القديمة.   

 

ابراهيم عرفات أستاذ العلوم السياسية في جامعتي قطر والقاهرة
التعليقات