3 ملاحظات حول فاجعة الواحات - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 8:46 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

3 ملاحظات حول فاجعة الواحات

نشر فى : الخميس 26 أكتوبر 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الخميس 26 أكتوبر 2017 - 9:50 م

مع علمنا بأن فقد ابن أو زوج أو أب أو أخ فى ريعان شبابه أكبر من أى كلمات عزاء، مهما يكن صدقها، ولكن يبقى العزاء، والدعوات بالصبر، وبحسن الجزاء من الله هو كل ما نملك تقديمه لشهداء الفاجعة التى جرت فى طريق الواحات يوم الجمعة الماضى، ولذويهم، أما ما يمكن، وما يجب تقديمه، لوطننا ومواطنينا ومسئولينا من مساهمات فى الحرب ضد الإرهاب حتى دحره، فهو كثير، كل من موقعه، وحسب خبرته، جنبا إلى جنب مع الصمود، وإعلاء إرادة التحدى، والإيمان الذى يتزعزع بالدولة الوطنية، وبحتمية الانتصار النهائى على الإرهاب والإرهابيين.
من جانبى، وبعد ما أمكننى متابعته من كتابات وأقوال ومشاهد.. أشعر بضرورة وضع الملاحظات الثلاث التالية أمام من يعنيهم الأمر:
أبدأ أولا: بالحملة الضارية (ولكن المبررة) ضد الصحافة والإعلام المحليين، وإذ أتفق مع الانتقادات بل والاتهامات التى وجهت إلى صحفنا ومحطاتنا التليفزيونية، وإذاعاتنا، ووكالتنا الوطنية للأنباء، لصمتها فى البداية، ثم ارتباكها لاحقا، ثم عجزها الدائم عن تغطية الحادث، ودفع المصريين إلى البحث عن المعلومات عند كل مصدر يستطيعون الوصول إليه، فإننا نسينا ــ فى غمرة الحزن والغضب ــ أن لدينا قانونًا صدر منذ أكثر من عامين، يعاقب بالسجن والغرامات الباهظة الصحفى أو المذيع الذى ينشر، أو يبث أخبارا عن الأحداث الإرهابية، بخلاف تلك التى ترد فى البيانات الرسمية، ويبدو أيضا أن أغلبنا نسى أن هذا القانون استقبل بالتأييد والترحيب، لأنه ــ كما قيل فى معرض تبرير صدوره ــ سوف يحافظ على الروح المعنوية للأمة المصرية، بما أنه سوف يقى هذه الأمة بلبلة الأنباء المتضاربة، أو المبالغة فى حجم «الإرهاب»، والخسائر التى قد يسببها، أو يحجب الحقائق التى يرى أولو الأمر حجبها لمصلحة الأمن القومى.
بالله علينا وعليكم من هو الصحفى أو الإعلامى الذى نطالبه بالتطوع لمثل هذه المهمة الانتحارية باسم المهنية؟ ولماذا من الأصل أقيم تناقضًا مفتعلًا بين الوطنية وبين المهنية؟ ومن كان بوسعه الافتراض أن المتحدثين لن يتحدثوا؟!
فإذا اجتهد البعض، ورأى أن الوطنية ــ وليست المهنية ــ تحتم فى ظرف كفاجعة الواحات أن يبادر ــ اعتمادا على روح القانون وحفاظا على المعنويات العامة ــ فيقدم متابعة من المصادر المتاحة له فى غيبة البيانات الرسمية، فمن ذا الذى يضمن له أن القانون لن ينزل به أشد العقاب؟ بينما يرى أن الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة للقانون نفسه، فى الواقعة نفسها ــ ضد الروح المعنوية ــ مشمولون بحصانة تعفيهم من مجرد التفكير فى توجيه كلمة لوم إليهم؟!
ثم، ومادمنا قد عدنا إلى تقاليد دولة يوليو العميقة بحذافيرها، فلابد أن نتذكر أن من أعز تقاليد تلك الدولة إلى قلبها، منع القيادات الوسطى والصغرى فى كل المؤسسات الرسمية من المبادرة إلى «خطاب الرأى العام دون إذن» مسبق من أعلى المستويات، ولتقديم مثل حى على قداسة هذا التقليد، فلا مانع من ضرب مثل سبق لى ضربه فى مناسبة كهذه، ففى عام 2004، وبينما كان الرئيس الأسبق حسنى مبارك يقضى فترة نقاهة من جراحة كبرى فى العمود الفقرى بأحد مستشفيات مدينة ميونيخ الألمانية، سرت شائعة قوية بأنه قد توفى، وبسرعة أيضا اجتاحت الشائعة العالم بما فيه مصر، وتهافت المراسلون المختصون على كل المصادر المتاحة أمامهم فى ألمانيا للحصول على نفى أو تأكيد، ولكن الجميع التزموا الصمت، بمن فيهم من أتيح للمراسلين الاتصال بهم من مرافقى الرئيس (فى فندق هيلتون ميونيخ)، وعند ذاك تشجع مستشارنا الاعلامى فى برلين (الصديق محمود جعفر الذى سبق له رئاسة المركز الصحفى للمراسلين الأجانب فى القاهرة) وأدلى بتصريح نفى فيه نفيا مطلقا شائعة وفاة مبارك، وأكد أنه يتعافى من الجراحة بصورة ممتازة!! ومع أن هذا التصريح هو من صميم اختصاصاته، ومن أوجب واجبات المستشار الإعلامى لأى دولة، فى أى دولة أخرى، فيا لهول ما لقى محمود جعفر من رؤسائه المباشرين، ورؤساء رؤسائه، من باب «مالك أنت يا صعلوك والحديث عن الملوك»، فى الوقت الذى كان يتجهز فيه أحد الأتباع كبيرى المقام نسبيا فى الحاشية الرئاسية فى ميونيخ يتجهز للظهور فى الوقت المناسب، لنفى الشائعة، ولكن فى مؤتمر صحفى عالمى(!)، وبعد مرور 24 ساعة على انتشارها(!).
باختصار إذا كان الإعلام قد ضبط مشلولا، بل وربما عاريا فى فاجعة الواحات.. فهو ليس إلا مفعولا به.. وليس فاعلا أصليا.. وقولوا مثل ذلك عن كل مثالب إعلامنا وصحفنا المهنية والخلقية.. فكلها أعراض لمرض واحد.
ثانيا: ربما كان أخطر الأعراض الجانبية لشلل الإعلام والصحافة لمدة 24 ساعة على الأقل فى فاجعة الواحات، ثم البدء، والاستمرار فى تغطيتها باقتضاب، وفى ترتيب متدنى فى الأهمية الإخبارية، هو استنتاج وجود رغبة فى التعامل مع مثل هذه الفواجع كأحداث روتينية، أى تعويدنا عليها، وقد عزز من هذا الاستنتاج تعامل الدولة نفسها مع الأحداث، مقارنة بما كان يحدث قبل عامين أو ثلاثة أو أربعة أعوام، فقد كانت قيادات الدولة كلها تتداعى إلى الاجتماعات الفورية على أعلى المستويات، وتشارك أسر الشهداء، فى استقبال جثامينهم، وفى تشييع جنائزهم، وتنظم احتفالات الرثاء والتكريم، ويتجدد العهد وسط هذه المراسم المشبوبة بالحماس الوطنى المتقد على أن الإرهاب لن ينال من عزائمنا، كما كانت تتغير الخريطة البرامجية للإذاعة والتليفزيون فى التو واللحظة، وتلغى أو تؤجل الارتباطات الرسمية.
بالقطع يحتمل أن يكون المقصود هو توجيه رسالة إلى الإرهابيين، وإلى مسانديهم، وإلى الرأى العام كذلك، بأننا لن ندع هؤلاء المجرمين يوقفون مجرى حياتنا اليومية على كل المستويات من القمة إلى القاعدة، ومع الاعتراف بأهمية هذه الرسالة.. فالسؤال هو: هل وصلت الرسالة فعلا بهذا المعنى، وهل حققت المطلوب منها؟
ثالثا: من الضرورى التأكيد دومًا ــ ودون ملل من التكرار ــ على خوض الحرب المسلحة ضد الإرهاب بكل العزم والقوة والوسائل حتى النهاية المنتصرة بكل تأكيد، ولكن من الضرورى أن ننتبه أيضا إلى أن كل التجارب السابقة فى مصر، وحولها، وفى العالم كله، تؤكد أن العمل المسلح ضد الظاهرة الإرهابية لابد أن تصحبه عملية سياسية، فقد حدث ذلك فى مصر نفسها فى أواخر تسعينيات القرن الماضى فيما سمى بمراجعات الجماعة الاسلامية، وتنظيم الجهاد، وحدث أيضا فى الجزائر، وأدى إلى نهاية العشرية السوداء هناك، وذلك بمبادرة من الرئيسين السابق «اليمين زروال»، والحالى عبدالعزيز بوتفليقة.
بل إن الإرهاب السابق على داعش فى العراق قد أمكن القضاء عليه، حين بدأت عملية سياسية جديدة أصبحت فيها السلطة أقل نزوعا للطائفية، باستبعاد نورى المالكى من رئاسة الحكومة، وحلول حيدر العبادى محله، مع أنهما من حزب واحد، ومع أن المالكى كان ــ ولا يزال ــ هو رئيس ذلك الحزب، مما جعل إبعاده يتطلب ضغوطا هائلة محلية وإقليمية ودولية، ولكن كان لابد من دفع الثمن.
أكثر من هذا فهل يوجد فى منطقتنا أشد من إسرائيل صلابة فى مواجهة المقاومة الفلسطينية (وهى فى رأى الإسرائيليين وحلفائهم إرهاب وتخريب)؟ ومع ذلك فكم عملية سياسية دخلت فيها تل أبيب مع المنظمات الفلسطينية، ليس مع فتح فحسب، ولكن أيضا مع حماس من خلال سلسلة اتفاقات الهدنة المطولة، التى لا يزال آخرها ساريا حتى اليوم.
فى ختام هذه الملاحظات الثلاث فنحن فى حاجة إلى مبادرة لإنقاذ الإعلام والصحافة المصريين، ولتكن الخطوة الأولى هى إلغاء المواد المكبلة لهما فى قانون مكافحة الإرهاب، بعد أن ثبت أن ضررها أكبر من نفعها كثيرا، كما نحتاج إلى عملية سياسية تحرم الإرهابيين من أى أنصار محتملين، وتفتح الأبواب أمام كل أصحاب الرؤى السلمية للمشاركة، فى الوقت الذى نؤمن به إيمانا صلبا بأنه لا هوادة مع الإرهاب، ولا حوار مع من حمل السلاح.

عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.