يتمثل الوجه الآخر لرواج المقولات غير العقلانية والمغيبة للمعلومات وللحقائق بشأن «مؤامرة الغرب الكونية» على مصر وبلاد العرب فى انعزالنا الحضارى عن العالم المتقدم فى الشمال والغرب وبعض المواقع فى الشرق الآسيوى وعن العالم النامى/ الطامح فى مواقع شرقية وجنوبية متنوعة، وفى ابتعادنا القيمى والثقافى والفكرى والعلمى عما يناقشونه ويطبقونه ويقيمون نتائجه.
وليست الأزمات والعثرات والتحديات الكثيرة التى تواجهها مصر، ومسار تحولها الديمقراطى تعطل قطار التنمية والعدالة الاجتماعية لم يتحرك بعد وشرور الاستبداد والإرهاب تهدد المواطن والمجتمع والدولة، بمبرر للانعزال وللابتعاد عن العالم أو للانكفاء على الذات كجموع من الخائفين من الآخر عن جهل وشعور بالدونية الحضارية والمتوجسين من مؤامراته التى تعتمد بعض أروقة السلطة التنفيذية المصرية على الترويج المستمر لها وتغييب المعلومات والحقائق بغية أهداف سياسية واضحة.
للعالم المتقدم والعالم النامى/ الطامح بمجتمعاتهما ودولهما الديمقراطية والسلطوية نقاشاته الكبرى وموجات متلاحقة من السياسات المتشابهة التى يطبقها ويختبر ويقيم نتائجها، ونحن بصدد كل ذلك إما فى خانات المنعزلين والمنكفئين على الذات أو فى أقل الأحوال سوءا نراقب دون معرفة:
1ــ مسارات التطور العلمى والتكنولوجى المعاصر، وحدود قدرة المجتمعات والدول على استيعابها ودمجها لخير وسعادة المواطن، وكيفية التعامل مع الخطوط الحمراء القيمية والأخلاقية والدينية التى تملى مثلا رفض تخليق الإنسان وتمنع بعض التجارب العلمية على الأجنة البشرية وتقف إلى اليوم موقفا ملتبسا من الاكتشافات المتتالية بشأن خرائط الجينات الوراثية والتدخل العلمى بها.
2 ــ الربط بين المعارف العلمية الجديدة وبين الإدارة الرشيدة والجماعية للتحديات البيئية والمناخية التى تواجهنا جميعا وتتعلق بمعدلات التلوث المتسارعة وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بفعل انتشار التصنيع وشيوع أنماط الاستهلاك غير الصديقة للبيئة، وبتآكل المساحات الخضراء فى العالم خاصة الغابات، وبالتصحر ومد المحيطات والبحار وتزايد الكوارث الطبيعية.
3 ــ السياسات التنموية الأمثل لمواجهة التصاعد العالمى لمعدلات الفقر والبطالة والفجوة الواسعة بين أغنياء الدنيا وبين فقرائها ولتمادى الأوبئة المعولمة (كالايبولا والايدز) ولسوء الخدمات الأساسية المقدمة للأغلبية الساحقة من البشر بعيدا عن البلدان المتقدمة والبلدان المتمتعة بوفرة الموارد الطبيعية، وحدود المسئولية الأخلاقية والسياسية لمجتمعات ودول الشمال والغرب وبعض دول الشرق الغنية والمصالح الاقتصادية والمالية العملاقة تجاه مئات الملايين من الفقراء والمهمشين على امتداد خريطة العالم.
4 ــ وضعية الحقوق والحريات عالميا، وكيفية التعاطى مع تفاوت نماذج إدارة الشأن العام بين الحكومات الديمقراطية وبين السلطويات دون إخلال بقواعد التعاون الدولى ومع دفع ضمانات الحقوق والحريات إلى الأمام، وسبل التعامل مع الأخطار المعولمة للإرهاب والعنف والتطرف وانتشار أسلحة الدمار الشامل وانهيار منظومات الدول الوطنية والصعود المطرد للكيانات غير الدولاتية وتمدد شبكات مواردها البشرية والمالية ومواقعها الجغرافية - هنا نقاشات عالمية جادة عن أوضاعنا العربية لا نسهم نحن بها وتداول لأفكار بشأن المزج فى مواجهة ظواهر العنف بين أدوات القوة الخشنة (العسكرية والأمنية) وأدوات القوة الناعمة (التنمية والقانون والعدالة والمساواة).
5 ــ مستقبل العلاقة بين أضلاع مثلث المواطن والمجتمع والدولة وترابطاتهم القائمة داخله بين المجتمع المدنى والقطاع الخاص والمجال العام وامتدادات كل ذلك العالمية فى ظل الانسحاب التدريجى لبلدان الشمال والغرب من سياسات الرفاه ومفهوم الدولة الوطنية الراعية والضامنة للحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية، واكتفاء الشرق فى الصين وروسيا بمزيج من اقتصاديات السوق وشيء من رعاية الدولة وإقصاء لحقوق وحريات الناس الشخصية والمدنية، التهديدات الواردة على الدول الوطنية فى بلاد العرب ومواقع أخرى بسبب انفجار الهويات الطائفية والدينية والمذهبية والعرقية وبفعل الكيانات غير الدولاتية المتسلحة بالإرهاب والعنف والمعتاشة على الاستبداد والجهل والفقر.
غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.