نشر مركز Global research مقالا للكاتب Peter Koenig يرى فيه أن ما يحدث فى بوليفيا من انقلاب عسكرى سببه تدخل الولايات المتحدة رغبة منها فى القضاء على الحكم الاشتراكى فى بوليفيا ومنع الصين من إجراء أى صفقات مع حكومة بوليفيا... إلى جانب رغبة الولايات المتحدة باستغلال الموارد الطبيعية فى بوليفيا... ونعرض منه ما يلى.
الصين لديها أكبر سوق لليثيوم... تنتج الصين بالفعل معظم السيارات الكهربائية ــ وصل إنتاجها نحو مليون سيارة عام 2018 ــ وسيتضاعف إنتاجها على الأقل ثلاث مرات بحلول عام 2025... وفى العقد أو العقدين التاليين، من المتوقع أن يزداد الطلب بشكل كبير.
تمتلك بوليفيا أكبر احتياطى عالمى لليثيوم... كانت الصين وبوليفيا بداية عام 2019 على وشك توقيع عقد طويل الأجل لتصنيع البطاريات وغيرها من المنتجات ذات الصلة بالليثيوم فى بوليفياــ مما يوفر فرص عمل فى بوليفيا ــ باستثمار مبدئى قدره 2.3 مليار دولار أمريكى، إلى أن وقع الانقلاب العسكرى البوليفى الذى حرضته الولايات المتحدة واستخدام أساليب القمع المعتادة والعنيفة والقتل ضد المتظاهرين (السكان الأصليين) على الطريقة الأمريكية.
سكان بوليفيا الأصليين ــ يشكلون 70 إلى 80% من السكان ــ لم يرغبوا فى خسارة رئيسهم إيفو موراليس، الذى أحدث العديد من التغييرات الجذرية فى بوليفيا والتى أسهمت فى تحسين حياتهم وتقليل معدلات الفقر. وانتهى الأمر بطلب موراليس اللجوء إلى المكسيك لحماية نفسه وعائلته. أما وكالة الاستخبارات المركزية (سى أى إيه) ففلتت من العقاب.
بعد مغادرة الرئيس إيفو موراليس بوليفيا، قامت المعارضة بقيادة رئيستها العنصرية جانين آنييز بنهب البنك المركزى. وتم مشاهدة عملية نقل الأموال والذهب إلى المطار لنقلهم إلى بلد آخر، على الأرجح الولايات المتحدة. آنييز قالت أنها كانت فى حاجة إلى الأموال لشراء الأسلحة من الولايات المتحدة، حتى تستمر عمليات القمع والقتل تجاه المتظاهرين.
بعد الانقلاب العسكرى ــ المدنى الذى أعدته الولايات المتحدة فى 10 نوفمبر، خضعت بوليفيا لحكومة جديدة معينة ذاتيا وغير شرعية ومؤقتة ــ كما يقولون ــ لا تدعمها فقط الولايات المتحدة ــ صانعة الانقلاب ــ ولكن أيضا من قبل الاتحاد الأوروبى، وكذلك من قبل منظمة الدول الأمريكية.
واجه المتظاهرون العنف من قبل الشرطة العسكرية وإطلاق الذخيرة الحية عليهم.. وقامت آنييز بتوقيع مرسوم يبرء الشرطة والجيش من المثول أمام المحاكم الجنائية بسبب ارتكابهم جرائم قتل ضد المدنيين.. مما يعطى تصريحا مباشرا للشرطة والجيش بالقتل. إيفو موراليس أرغم على الاستقالة من قبل كبار القادة العسكريين الذين تلقوا تدريبهم على يد مدرسة الأمريكيتين ــ أو ما يسمى الآن بـ «معهد نصف الكرة الغربى للتعاون الأمنى».
نحو 20 شخصا من أعوان إيفو المقربين، بما فى ذلك أعضاء الكونغرس، الذين كانوا ــ وفقا للدستور البوليفى ــ من المفترض تولى الرئاسة مؤقتا حتى يتم تنظيم انتخابات جديدة أمروا بالاستقالة وتم منحهم جميعا حق اللجوء فى المكسيك. وقد أخبرتهم الحكومة الجديدة غير الشرعية أنه لن يسمح لهم بالترشح للرئاسة فى الانتخابات المقبلة... هذه هى الديمقراطية التى تصدرها الولايات المتحدة.
***
لقد أوضح ترامب أنه لا يتسامح مع الحكومات الاشتراكية فى العالم، خاصة فى فناء الولايات المتحدة الخلفى، أمريكا اللاتينية.. وحذر فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا مما قد يحدث قريبا لهم. إنه لا يضيع فرصة لتهديد قادة العالم الذين لا يتبعون أوامره.
من المؤكد أن وجود حكومة اشتراكية كان سبب الانقلاب، ولكنه ليس السبب الوحيد، وربما ليس السبب الرئيسى... بوليفيا، مثل فنزويلا، غنية بالموارد الطبيعية والغاز والنفط والمعادن والليثيوم ــ وهو معدن خفيف، يستخدم فى بطاريات السيارات، وخاصة بطاريات السيارات الكهربائية ــ وفرصة لخصخصتهم من قبل حكومة نيوليبرالية لصالح فئة صغيرة من المجتمع أو للشركات الأجنبية ــ معظمهم من الولايات المتحدة بالطبع.
قبل تولى إيفو موراليس السلطة فى يناير 2006، تعهد للشعب البوليفى بأن تكون الموارد الطبيعية لبوليفيا ملكا للشعب البوليفى، وكان من بين إجراءاته الأولى التأميم الجزئى لصناعة الهيدروكربون ــ الغاز والبنزين. ولكن كان على إيفو التصدى لسياسة سخيفة ورثها عما سبقوه ــ غونى سانشيز وكارلوس ميسا ــ تحصل فيها الشركات الأجنبية فى المتوسط على 82٪ من الأرباح الناتجة عن استغلال الهيدروكربون و18٪ المتبقية تبقى فى بوليفيا، ولهذا السبب بالتحديد، تم طرد كل من غونى وميسا من قبل الشعب فى تمردات دموية عامى 2003 و2005، على التوالى.
عندما تولى إيفو منصبه فى يناير 2006، عكس هذه النسبة: 82٪ لبوليفيا و18٪ للشركات متعددة الجنسيات. صرخ العالم الغربى وحذره من أن جميع المستثمرين الأجانب سوف يتخلون عن بوليفيا ــ وبوليفيا ستكون وحدها واقتصادها سينهار، لم يحدث أى من هذا، بالطبع، لأنه حتى فى ظل هذا الترتيب الجديد، حققت الشركات الأجنبية أرباحا كافية لبقائها فى بوليفيا.
***
وبالنسبة لمعدن الليثيوم، وهو معدن ناعم وخفيف وقابل للاشتعال ــ ويسميه البعض بذهب القرن الحادى والعشرين والذى يبلغ إجمالى الاحتياطى منه فى العالم نحو 15 مليون طن مع إمكانية تصل إلى 65 مليون طن ــ فتمتلك بوليفيا أكبر احتياطى فى العالم والذى يبلغ 9 ملايين طن، أى نحو 60٪ من إجمالى الاحتياطيات المعروفة.
قد وعد إيفو موراليس شعبه بأن هذا المورد القيم لن يتم تصديره فقط كمواد خام، ولكن معالجته فى بوليفيا بحيث تظل القيمة المضافة والفوائد الرئيسية فى بوليفيا. وأكد المدير العام لشركة Yacimientos de Litio Bolivianos المملوكة للدولة أن «بوليفيا ستكون جهة فاعلة فى سوق الليثيوم العالمى فى غضون أربع أو خمس سنوات».
يستخدم الليثيوم بشكل أساسى لإنتاج بطاريات السيارات والهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية فى أنظمة الأسلحة المتطورة. وبسبب زيادة الوعى البيئى ونمو صناعة السيارات الكهربائية، من المتوقع أن يتوسع سوق بطاريات السيارات الكهربائية فى السنوات القادمة... قال الرئيس الصينى شى جين بينغ أخيرا إنه اعتبارا من عام 2030، ستكون جميع السيارات الجديدة على الطرق الصينية كهربائية. رغم أن هذا قد يعبر عن تفاؤل مبالغ فيه، إلا أنه دليل على كبر حجم هذا السوق. ومن المتوقع أن يتضاعف استخدام الليثيوم فى صناعة البطاريات فى السنوات الخمس أو العشرة القادمة.
الصين لديها أكبر سوق لليثيوم فى العالم وإمكانيات نمو ضخمة... مع بيع مليون سيارة كهربائية صينية فى عام 2018، من المتوقع أن يزداد الطلب بشكل كبير. ووفقا لما ذكره مركز أبحاث صينى، بحلول عام 2040، ستكون جميع المركبات الجديدة على طرق الصين كهربائية. وبالفعل اليوم ما يقرب من 100٪ من جميع الدراجات البخارية التى تجوب المدن الكبرى كهربائية.
فى فبراير 2019، تفاوضت الشركة الصينية Xinjiang TBEA والشركة البوليفية الحكومية Yacimientos de Litio Bolivianos على صفقة من شأنها أن تمنح بوليفيا 51٪ من حصة استثمارات استخراج الليثيوم والصين 49٪ بقيمة 2.3 مليار دولار.. وهو ما كان يمثل اتفاق مبدئى قابل للزيادة وفقا لمتطلبات السوق... وهو ما كان سيصب فى صالح بوليفيا مع خلق الكثير من فرص العمل.
ستمتلك الصين نسبة ضخمة من سوق الطاقة فى بوليفيا، وبالتالى ليس مستحيل أن الانقلاب العسكرى الذى أحدثته الولايات المتحدة وخاصة مع التوقيت الذى حدث فيه الانقلاب سببه معدن الليثيوم فى بوليفيا، وبالأخص علاقته باتفاق الشراكة بين الصين وبوليفيا.
تتفاوض بوليفيا مع الصين منذ بداية هذا العام حتى يتم ربطها بمبادرة الحزام والطريق. وكان سيمثل استخراج الليثيوم والتنمية الصناعية جزءا منه... كان من الممكن أن يؤدى ذلك إلى تحسين الحالة الاقتصادية فى بوليفيا وتحسين مستوى المعيشة.
وفى ظل معاداة الصين، من الواضح أن مثل هذه الصفقة طويلة الأجل التى تبلغ مليارات الدولارات بالنسبة للسوق الذى يريد الغرب الاستيلاء عليه لن تتم... لذلك، كان على الرئيس إيفو موراليس وحلفائه المقربين أن يرحلوا. وكان على السكان الأصليين غير المسلحين أن يتعرضوا للترهيب من قبل الشرطة والقوات العسكرية.. حتى يومنا هذا، وصل عدد القتلى إلى 25 شخص على الأقل مع تزايد أعمال العنف من جانب الشرطة والجيش عندما أجبر إيفو على الاستقالة، قبل نحو أسبوع.
من المتوقع أن تعلن الحكومة «المؤقتة» الحالية حالة الطوارئ، وهذا يعنى دكتاتورية الشرطة العسكرية. يمكن أن تكون الثروات الطبيعية لبلد فقير لعنة ــ وخاصة إذا كان لدى هذا البلد نظام اشتراكى... ولكنــ كبريق من الأملــ من المعروف أن الشعب البوليفى هو مدافع قوى عن حقوقه. لذلك، قد لا تضيع حقوق شعب بوليفيا إذا تضامنت معهم الدول المجاورة مثل تشيلى والإكوادور والأرجنتين وربما البرازيل.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى:من هنا