هل هذا ما يحدث لنتنياهو؟ هل هو يفقــد صلتـه بالواقع. هــذا ما جـرى لدافيد بن ــ غوريون فى نهاية 15 عاما فى السلطة. لقد كان تصرفه فى قضية لافون جنونيا، وجرت إزاحته عن السلطة «وزعامة حزبه». وهذا ما حدث مع مناحم بيجن بعد 6 سنوات من الحكم، إذ اعترف قائلا: «لا أستطيع الاستمرار» واعتكف فى منزله. فهل هذا ما يحدث لنتنياهو اليوم بعد 12 عاما فى الحكم؟
إن الأعمال الأخيرة لنتنياهو ليست عقلانية، وهى جنونية من زاوية مصالحه الشخصية. كان فى استطاعته ضم يتسحاق هيرتسوغ، الجيد، والمستقيم والخنوع والمنضبط إلى حكومته. وكان هيرتسوغ سيجلب معه حزبه كله أو أغلبيته تقريبا، الأمر الذى كان سيضمن استمرار الحكومة لفترة طويلة. وكان فى إمكان هيرتسوغ طمأنة دول العالم التى بدأت تتخوف من نتنياهو. وفى نهاية المطاف ماذا طلب؟ هل طلب أن يقدم نتنياهو وعودا محددة مكتوبة؟ ما خطورة ذلك؟ ومتى تردد نتنياهو فى نكث وعوده المكتوبة تماما مثلما نكث وعوده الشفهية؟
بدلا من الشريك المريح، اختار نتنياهو ليبرمان، الأزعر المخادع الذى لا يخفى ازدراءه العميق لنتنياهو. كما لا يخفى أيضا سعيه إلى وراثة نتنياهو فى أقرب فرصة. إنه شريك يعتبره العالم كله رجلا خطرا. لماذا اختاره؟ من دون لماذا، لا يوجد سبب منطقى. إن إدخال ليبرمان إلى الحكومة عمل انتحارى. ومنحه وزارة الدفاع عمل جنونى.
إذن ماذا يجرى لنتنياهو؟ حتى الآن تصرف بصورة عاقلة وبراغماتية. صحيح أنه اختار طريقا فى نهايتها الهلاك، ونهايتنا. صحيح أن كل خطوة قام بها أضرت تقريبا بالديمقراطية الإسرائيلية، وبمحكمة العدل العليا، والآن بالجيش أيضا. لكن كان يمكن تفسير تلك الخطوات بأنها وسيلة لبقائه فى السلطة. إنما الأمر لم يعد كذلك.
لا يستطيع شخص الاستمرار فى قيادة الدولة عندما يتزايد عدد الأشخاص المحترمين من أصحاب التأثير والنفوذ، ورؤساء المؤسسات المركزيةــ القيادة العسكرية، المحاكم، الإعلام، الفنون والأكاديميا ــ الذين توصلوا إلى استنتاج بأنه رجل خطر، وعندما يشعر أشخاص من صلب المؤسسة الحاكمة مثل مئير داغان، والجنرال يائير غولان وموشيه يعلون بأنه من الضرورى ضميريا أن يهبوا للقيام بالتحذير. هذا ما جرى فى حالة بن ــ غوريون. وأين هو نتنياهو بالمقارنة مع بن ــ غوريون. إن هذه عملية بطيئة، وليتها لا تتأخر كثيرا. ما الذى يجب فعله من أجل تسريع الأمر؟ لقد تم تقديم اقتراحات كثيرة، وأنا أيضا قدمت اقتراحات، لكن الاقتراح الأكثر عملية هو الذى قرأته يوم الجمعة فى مقال يائير أسولين فى «هآرتس». إنه اقتراح بسيط وعملى وقابل للتطبيق الفورى، فقط لو فهم جميع الذين لهم صلة بالأمر بأنهم يتحملون مسئولية كبيرة تجاه مصير الدولة.
والاقتراح كما أفهمه هو: أن يتقدم الآن أعضاء الكنيست الشباب من المعسكر الصهيونى [....] باستقالتهم من حزبهم الذى لم يعد أكثر من جيفة حية، وأن يؤلفوا حزبا جديدا شابا ينبض بالحياة، وأن ينضم إليهم أعضاء الكنيست الآخرون الذى يرون الطوفان الآتى، ويسعون للحصول على دعم يعلون وغابى أشكينازى وبِنى بيجن، وأن يقيموا فورا كتلة جديدة فى الكنيست، ويرفعوا راية، ويضعوا لأنفسهم خطة تشدد على ما هو مشترك فيما بينهم لا على ما هو مختلف بشأنه: راية السلام، والديمقراطية، والعدالة، والشراكة الاجتماعية، وطهارة السلاح.
كما يجب عليهم أن يتخلصوا من التصنيفات القديمة، أى «يسار» و«يمين» و«وسط»، و«أشكناز» و«شرقيين»، وأن ينشئوا حزبا إسرائيليا لجميع الإسرائيليين من دون تمييز جندرى وطائفى وقومى وعنصرى، وأن يدعوا الشبان والشابات الرائعين الذين ألفوا فى هذه الدولة عشرات الجمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان، وعن المساواة والسلام، للانضمام إلى هذا المسعى الإنقاذ.
من أجل القيام بذلك، لا حاجة إلى انتظار المسيح المخلص أو الحلم. ففى الإمكان، لا بل يجب، النهوض والعمل بدءا من صباح الغد، لأن البديل مخيف!