أجل الرئيس دونالد ترامب لمدة أسبوعين تعهده لبدء ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين فى انتظار أن يقدم مجلس النواب الذى يسيطر عليه الحزب الديمقراطى حلولا عملية لمعضلة الهجرة الشرعية وغير الشرعية للولايات المتحدة. نظرا للبعد الجغرافى عن الدول العربية والإسلامية لا تعرف الولايات المتحدة وجود أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين غير الشرعيين. وطبقا لتقديرات مركز بيو للأبحاث، يوجد ما يقرب من 11 مليون مهاجر غير شرعى، غالبيتهم من المكسيك ودول أمريكا الوسطى. وطبقا لخبير قانونى فى واشنطن، فربما يوجد مئات وربما عدة آلاف من المسلمين ممن انتهت صلاحية تأشيراتهم للبقاء فى الولايات المتحدة، وهؤلاء نوعان، أولهما من يطلب اللجوء لأسباب سياسية وهم الأغلبية، وأقلية تنخرط فى المجتمع مثلهم مثل بقية المهاجرين غير الشرعيين». ولا يمثل المهاجرون المسلمون غير الشرعيين قضية ذات أهمية لمصلحة الهجرة الأمريكية أو الرئيس ترامب بسبب قله أعدادهم.
***
وبداية مثل وصول ترامب للبيت الأبيض معتمدا على حملة انتخابية مناوئة للمهاجرين نقطة مفصلية فى دولة ومجتمع طالما تفاخرا بسجلهما تجاه المهاجرين، إذ يراها البعض أنها أهم ما يميز بلادهم. وتأسست الدولة الأمريكية على يد مهاجرين أوروبيين قبل قرنين ونصف القرن. ومنذ ستينيات القرن الماضى أصبحت البلاد قبلة المهاجرين من مختلف أركان العالم بصورة مستمرة. وطبقا لبيانات معهد سياسات الهجرة بواشنطن، يعيش خُمس المهاجرين بالعالم فى الولايات المتحدة، إذ يقطنها حاليا 45 مليون مهاجر أو 14% من سكانها البالغ عددهم 325 مليون نسمة. ويقصد بالمهاجر الشخص الذى ولد خارج أمريكا وانتقل للعيش والاستقرار فيها. إلا أن تصميم ترامب على الوفاء بوعده الانتخابى وتخصيص 5.7 مليار دولار لبناء الفاصل الحدودى قد أظهر أهمية القضية عند ترامب لدرجة الوصول لغلق الحكومة الفيدرالية لأكثر من شهر كامل فى بداية هذا العام. ولعل السبب الواضح وراء ذلك هو كون قضية الهجرة تعد محورا مهما وسط التيارات اليمينية الأمريكية، وهو ما سهل وصول ترامب للبيت الأبيض قبل عامين ونصف العام. وتصب فئة مهمة من أنصار المرشح ترامب ــ تتكون من الطبقة العاملة البيضاء فى ولايات الوسط، وتأثرت سلبا بالعولمة الاقتصادية ــ غضبها على المهاجرين ويتهمونهم بالتأثير السلبى على فرص العمل المتاحة. وشعرت هذه الطبقة قبل ذلك بقسوة أزمة الرهون العقارية وتبعاتها، ولم تزد أجورهم، وزادت ديون أسرهم. ويلقى هؤلاء باللوم على الآخرين، خاصة المهاجرين. وخلال تدشينه لحملته الانتخابية الجديدة لعام 2020، تعهد ترامب بالاستمرار فى سياسته الحازمة إزاء الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين من خلال مواجهة تدفقهم عن طريق استكمال بناء الجدار الحدودى عند الحدود الجنوبية مع المكسيك.
***
خلال حملته الرئاسية، أعلن المرشح ترامب أنه سيفكر بجدية فى إغلاق عدد من المساجد، ووضع عدد آخر تحت المراقبة، كما وعد بإصدار هويات شخصية خاصة بالمسلمين، وربما إنشاء قاعدة بيانات لتسجيل وتتبع جميع المسلمين الذين يعيشون فى الولايات المتحدة. ولا يعرف أحد بدقة أعداد المواطنين الأمريكيين من متبعى الديانة الإسلامية، وذلك لأن الإحصاءات الرسمية الحكومية لا تأخذ الدين بعين الاعتبار لأنه يعد أحد أهم الحقوق والحريات الإنسانية الخاصة التى لا يجب أن تتدخل فيها الدولة. وتقدر بعض الاستطلاعات المستقلة أعداد المواطنين الأمريكيين المسلمين بنحو 7 ملايين مسلم لديهم ما يقرب من 2500 مسجد يتوزعون فى كل الولايات الأمريكية الخمسين. ولمسلمى أمريكا ما يقرب من مليونى ناخب.
***
استهدفت سياسات إدارة ترامب المهاجرين والمسافرين للولايات المتحدة من عدة دول إسلامية، وذلك فى صورة قرارات تنفيذية أصدرها الرئيس فى الأسبوع الأول فى البيت الأبيض وتقضى بحظر دخول مواطنى عدة دول إسلامية. وعلى الرغم من تحدى عدة محاكم أمريكية قرار الرئيس، وقضت برفع الحظر، فإن القرار النهائى كان من نصيب المحكمة الدستورية العليا والتى أقرت بحق الرئيس فى فرض الحظر لضرورات حماية الأمن القومى. وأثرت تلك القرارات على أعداد المسلمين القادمين للولايات المتحدة سواء لهدف الهجرة أو الزيارة. وطبقا لبيانات وزارة الخارجية الأمريكية فقد أدت سياسة ترامب بحظر دخول مواطنى عدة دول إسلامية إلى تقليص أعداد اللاجئين المسلمين بصورة كبيرة. وانخفضت أعداد طالبى اللجوء من 38555 طلبا عام 2016 إلى 22629 عام 2017 ليصل إلى 3312 طلبا عام 2018، أى أنها شهدت انخفاضا بنسبة 91%. كذلك انخفضت نسبة طالبى اللجوء المسلمين من 45% من إجمالى الطلبات من عام 2016 لتصل إلى 15% فقط عام 2018. كذلك انخفضت أعداد المهاجرين من دول أغلب سكانها من المسلمين بنسبة 30% منذ قدوم ترامب للحكم. وانخفض أعدادهم من 117411 مهاجر عام 2016 لتصل إلى 82260 عام 2018. وانخفضت نسبة المهاجرين المسلمين من 19% بين كل المهاجرين للولايات المتحدة عام 2016 لتصل إلى 15% عام 2018.
وترجع هذه الانخفاضات إلى سببين: أولهما يتعلق بحظر دخول مواطنى عدة دول مسلمة، وثانيها يرتبط بالتشدد العام الذى تقوم به إدارة ترامب مع المهاجرين والهجرة بصفة عامة والذى نتج عنه التدقيق والفحص الدقيق لكل طلبات الهجرة.
***
ولا يعرف أحد ماذا يحمل ترامب فى جعبته تجاه مسلمى أمريكا أو زائرى أمريكا أو المهاجرين إليها من دول ذات أغلبية سكانية مسلمة. إلا أنه من المؤكد أن قضية الهجرة وقضية مسلمى أمريكا ستعود للواجهة مع بدء إرهاصات الحملة الانتخابية لعام 2020.