جريمة الوراق - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جريمة الوراق

نشر فى : الإثنين 27 يوليه 2015 - 8:10 ص | آخر تحديث : الإثنين 27 يوليه 2015 - 8:10 ص

تمثل جريمة القتل العمدى فى الوراق نقطة سوداء إضافية فى سجل انتهاك المؤسسات والأجهزة الرسمية لحقوق المصريات والمصريين، وعلى رأسها الحق فى الحياة، بفعل منظومة الإهمال والفساد الكارثية وبسبب غياب آليات وإجراءات إخضاع المسئولين فى الوحدات الحكومية للرقابة والمحاسبة.

ينتهك حق أكثر من ثلاثين مواطنا فى الحياة – وتفاصيل جريمة الوراق تدلل على مدى الاستخفاف بأرواح الناس وبسلامتهم الجسدية الذى تتورط به بعض المؤسسات والأجهزة الرسمية وبعض المسئولين، وكذلك بعض أصحاب المصالح الخاصة الذين يستغلون غياب الرقابة والمحاسبة للإفادة من الإهمال والفساد والاعتياش عليهما ــ والسلطة التنفيذية المسيطرة على المؤسسات والأجهزة الرسمية تتعامل مع الجريمة بالطريقة المصرية المعتادة والمعتاد أيضا قصورها: الاكتفاء بإقالة بعض المسئولين والإعلان السريع عن «الإقالة» لكى يشعر الناس «بالحزم والحسم الحكومى» ويتناسون تدريجيا على وقع «العقاب الذى أنزل بالمخطئين» الجريمة المعنية.

أما الاعتذار من الرأى العام لإزهاق أرواح الناس والعبث بسلامتهم الجسدية، أما تفعيل إجراءات الرقابة والمساءلة والمحاسبة الجادة بهدف مواجهة منظومة الإهمال والفساد الكارثية فى الوحدات الحكومية وفى القطاعات غير الحكومية، أما احترام حقنا فى الحصول بشفافية على المعلومات الكاملة بشأن جرائم قتل المصريات والمصريين وبشأن الإصلاحات/ التغيرات اللازم إدخالها لضمان عدم تكررها مستقبلا وبشأن إعادة صياغة إجراءات الرقابة والمحاسبة لكى تواجه ثم تردع المتورطين فى الإهمال والفساد، أما احترام كرامتنا الإنسانية؛ فتسجل جميعا غيابا تاما.

ترتب العديد من العوامل المجتمعية توحش منظومة الإهمال والفساد وتضعف إلى حد مرعب من فاعلية البعض القليل من إجراءات الرقابة والمحاسبة المصاغ بجدية قانونية وإدارية؛ عوامل مثل تضخم بيروقراطية الدولة المرتبطة بالمؤسسات والأجهزة الرسمية وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية لموظفى العموم والعاملين فى الوحدات الحكومية، ومثل اعتياد الكثير من أصحاب المصالح الخاصة والمشاركين فى القطاعات غير الحكومية على محدودية إجراءات الرقابة والمحاسبة وإمكانية التحايل عليها إن بتأمين الحصول على حماية السلطة التنفيذية (نظير الاستتباع) أو بتوظيف منظومة الإهمال والفساد، ومثل غياب دور فعال للكثير من الجمعيات الأهلية وللمنظمات غير الحكومية وبقية أطراف المجتمع المدنى لإخضاع المؤسسات والأجهزة الرسمية وموظفى العموم والقطاع الخاص للرقابة والمحاسبة باسم المواطن وحقوقه ومصالحه الاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن انتهاكات الحقوق والحريات السياسية والمدنية التى تجتذب اهتمام الجميع.

غير أن حضور هذه العوامل المجتمعية ومسئوليتها عن توحش منظومة الإهمال والفساد وتوريطها للمؤسسات والأجهزة الرسمية فى جرائم القتل العمدى للمصريات والمصريين لا تنفى أبدا العلاقة المباشرة بين الإهمال والفساد وبين السلطوية وغياب الديمقراطية. حين تتغول صلاحيات واختصاصات رأس السلطة التنفيذية وتنهار بسبب تمرير قوانين وتعديلات قانونية استثنائية إجراءات إخضاعه للرقابة والمساءلة والمحاسبة، حين تتورط السلطة التنفيذية فى استتباع السلطات العامة الأخرى، حين يتعامل مسئولو الصفوف الأمامية فى السلطة التنفيذية مع سيادة القانون باستخفاف بالغ ومع حقوق وحريات الناس باستسهال للانتهاك والتهديد بالقمع، حين يفرض على الناس الاختيار بين قبول الرأى الواحد والموقف الواحد وبين الصمت التام وإلا سيعرضون لخطر التشويه والتخوين والقمع والعقاب، حين يغيب النقاش العقلانى والموضوعى عن أحوالنا وإخفاقاتنا وأزماتنا وسبل تجاوزها لصالح الضجيج الفاسد لخدمة السلطان؛ فلا عجب فى أن يتراكم الإهمال والفساد فى جميع المؤسسات والأجهزة الرسمية وفى الوحدات الحكومية التى يحاكى رؤساؤها ومسئولوها فعل رأس السلطة التنفيذية.

ليس بمقبول أن نصمت على انتهاك حق الناس فى الحياة، لا فى جريمة الوراق ولا بشأن قتلى مظاهرات اليوم الأول لعيد الفطر ولا فيما خص جريمة «التصفية» فى شقة 6 أكتوبر، ولا فى غير ذلك من جرائم وانتهاكات. سئمنا انتهاك الحق فى الحياة الذى تمارسه جمهورية الخوف التى تؤسسها السلطوية الجديدة، تماما كما سئمنا انتهاك الإرهاب للحق فى الحياة وجمهورية الحزن التى يفرضها علينا.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات