أقرت الحكومة الإسرائيلية منذ يومين بصورة رسمية بدء الحرب الأهلية. ساعد الإلغاء النهائى لحجة المعقولية فى بطلان فكرة أنه فى الإمكان الدفاع عن الديمقراطية الإسرائيلية بالنقاش والحوار والتشاور، أو حتى بضغط شعبى مذهل من حيث الحجم والوزن.
بعد أن حدث ما حدث، يمكن القول إن الأمل أعمى أبصار محبى الخير ورئيس الدولة وزعماء المعارضة وأيضا المئات التى خرجت فى الحر الشديد فى مسيرة استنهاض إلى القدس. ففى وقت يجلس فى الحكومة وزراء مجانين مجرمون، أفواههم كالمزراب، ورئيسهم كذاب ومتهم ولديه سجل جنائى، لم يكن هناك مجال منذ البداية للاعتقاد أو الأمل بأن الأمور يمكن أن تحمل حقيقة أُخرى، ومرونة، وتفهما، وربما الخوف من الأسوأ.
إن حكومة تبدو كعصابة من مثيرى الشغب وتتصرف كمجموعة من راكبى الدراجات النارية الجهنمية ليست حكومة لائقة ومقنعة. وما نراه هو ما نحصل عليه. من المهم تصديق ما يقوله وزراء هذه الحكومة؛ ما جرى ليس سوى القسم الأول. بالنسبة إليهم، فبعد «الانتصار» الأول، من المؤكد أن الانقلاب سيمر بالكامل. أى تنازل وأى انسحاب أو مرونة أو تسوية هى فى نظرهم هزيمة كاملة. هذه حكومة قررت أن تجعل شعارها القضاء على معقولية أفعالها، وليس من المستغرب أن تضع على رأس حملتها إلغاء حجة المعقولية، بعد أن أعطت نفسها احتكار تحديد المعقولية والمنطق والحس السليم. لقد حرمت الجمهورَ حزامَ الأمان القانونى الذى تقدمه المحكمة العليا، وهى فى الوقت عينه تدمر أمن الدولة واقتصادها.
من الآن فصاعدا، سيكون هناك قانون واحد للجميع، وسيطبَق بصورة عشوائية؛ هو قانون المافيا. السرقة المنهجية من أموال دافعى الضرائب ستحظى بحماية القانون، والاعتقالات الإدارية ستحل محل الحكم القائم على الأدلة، ميليشيات تتجول فى الشوارع باسم القانون، وسيحل محل الخوف من العدو الخارجى الخوف من السلطة. هذا ما يجرى فى روسيا وهنغاريا وتركيا.
فكرة أن يعبر الجيش الإسرائيلى عن رأى قيمى معارض لرأى الحكومة كانت مرفوضة فى أساسها. الآن، انضمت إسرائيل إلى قائمة الدول التى يواجه الجيش فيها معضلة، وليس مستعدا لأن يقدم شيكا مفتوحا للحكومة. هذا ليس رفضا للخدمة، بل انعداما للثقة بعقلانية قرارات الحكومة. وليس فقط لأن مقاتلى الجيش الإسرائيلى يمكن أن يجدوا أنفسهم أمام محكمة الجنايات الدولية، بل أيضا تحديدا لأنهم يدركون أنه لا فرق بين مهمتهم كمقاتلين وكونهم مواطنين.
إن الـDNA الديمقراطى الإسرائيلى الذى لوَّح به الرئيس اسحاق هرتسوج فى الخطاب الذى ألقاه أمام مجلس النواب فى الولايات المتحدة أُصيب بمتحور مسموم ومشوه ومدمر لفكرة الديمقراطية. وهذا الأمر يستوجب معالجة سريعة على كل الجبهات قبل ازدياد حدة الحرب الأهلية التى لا تزال غير عنيفة نسبيا؛ من دون إطلاق نار فى الشوارع، ومن دون قتلى، ومع عدد قليل من الجرحى. هذه هى المرحلة التى يجب أن يتحول الاحتجاج فيها إلى ثورة مدنية قوية، لكن غير عنيفة.
ولا يوجد تناقض هنا. عندما يسحب المودعون ودائعهم من المصارف، ويغلق أصحاب المصانع مصانعهم، ويعلن مدراء المدارس الإضراب، وتعمل الخدمات الصحية فى حالة طوارىء، وعندما تكون الحكومة غير قادرة على إدارة حياة المواطنين والمواطنات، ستدرك الديكتاتورية الجديدة أنها خسرت قدرتها على الحكم.
تسفى برئيل
كاتب يسارى
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية