فى السنوات الأخيرة يتكلم أغلب الناس المعنيين بالتكنولوجيا وتطورها واقتصادها عن ثلاثة أشياء: الذكاء الاصطناعى والرقمنة وأهداف التنمية المستدامة، يحدث هذا فى جميع دول العالم، لا تختلف فى ذلك الدول المتقدمة عن تلك النامية، أهداف التنمية المستدامة هى ما يسعى إليه الجميع، الذكاء الاصطناعى هو إحدى الوسائل التى تساعد على الاقتراب من تحقيق تلك الأهداف وقد تكلمنا فى مقال سابق منذ سنة وعدة شهور عن تأثير الذكاء الاصطناعى على المجهودات الساعية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، أما الرقمنة فلها هدفان: هى الوقود الذى يغذى برمجيات الذكاء الاصطناعى لأن تلك البرمجيات تحتاج إلى معلومات حتى تقوم بعملها، الهدف الثانى هو تسهيل حياة الناس بدلا من أن يسعوا من مكتب إلى آخر للحصول على إمضاء أو ختم إلخ. لذلك نجد أن أغلب دول العالم قطعت أشواطا فى طريق الرقمنة، هذه الأشواط تختلف من دولة إلى أخرى حسب تعاملها مع تحديات الرقمنة، لكن ما هى الرقمنة؟ وما هى تحدياتها؟
الرقمنة ببساطة هى تحويل كل المعلومات عن كل شىء فى الدولة من الأسلوب الورقى الذى يحتاج أن يحفظ فى أرشيفات كبيرة وقد يصيبه التلف أو الضياع وعند استخدامه يجب أن يتحرك عن طريق موظف من مكان إلى آخر وما يستتبعه ذلك من احتمالات تأخير إلخ، الرقمنة تحول كل ذلك إلى معلومات مخزنة فى أجهزة كمبيوتر عملاقة ويستطيع الكمبيوتر التعامل مع كل تلك المعلومات بسهولة، وحيث إن أجهزة الكمبيوتر الآن متصلة ببعضها عن طريق شبكة الانترنت وشبكات أخرى فإن نقل المعلومات من جهة إلى أخرى يتم لحظيا. هذا كله جميل لكن ما هى التحديات التى يجب على الدول أن تواجهها والمعوقات التى يجب أن تنتصر عليها حتى تحصل على فوائد الرقمنة؟
أولا: إيجاد العمالة المدربة على التعامل مع البرمجيات وتطويرها وصيانتها وتحليل البيانات وتأمين المعلومات، الرقمنة على مستوى الدول يحتاج إلى عدد من المتخصصين فى مجال تكنولوجيا المعلومات والمستخدمين المحترفين لتلك البرمجيات، ليس هذا فقط لكن هذه العمالة تحتاج إلى تدريب مستمر لأن تلك البرمجيات ووسائل التعامل معها تتطور بوتيرة سريعة بعكس التعامل مع الملفات الورقية، وأيضا نحتاج أن نضمن وجود أجيال جديدة قادرة على التعامل مع تكنولوجيا المعلومات عندما يتقاعد الجيل الحالى.
ثانيا: يجب تغيير الهيكل الإدارى ليوائم التكنولوجيا الجديدة، هذا معناه أنه يجب الاستغناء عن الحصول على إمضاءات وأختام من أماكن عدة ومخاطبة جهات عدة للحصول على خدمة ما واستخدام العديد من الموظفين كمراجع أول ومراجع ثان إلخ، لكن فى نفس الوقت يجب وضع آليات لكشف التلاعب والتزوير فى المعلومات المدخلة على الوسط الرقمى وأيضا التعامل مع الخطأ البشرى غير المتعمد.
ثالثا: يجب وجود استراتيجية محددة لتحقيق الأهداف المرجوة من الرقمنة من الأهم إلى المهم، تغيير حياة الناس جميعا من النظام الورقى إلى الرقمى يستلزم تعديل طريقة تقديم الخدمات فى جميع مناحى الحياة، هذا لا يتأتى مرة واحدة لذلك يحتاج إلى خطة محددة بأوقات لترتيب هذا التحول بحيث يبدأ التحويل بالخدمات المؤثرة بشكل أكثر على الناس، هذه الخدمات قد تحتاج إلى تغييرات فى البنية التحتية وهكذا نجد أنه أصبح عندنا سلسلة من التغيرات بتوقيتات وترتيبات معينة.
رابعا: يجب تدبير ميزانية لهذا التغيير لأن كل ذلك يحتاج إلى تغييرات فى البنية التحتية وتدريب للموظفين وتعيين عمالة مؤقتة لتحويل الورقى إلى رقمى إلخ، هذه النقطة مرتبطة بسابقتها لأنه فى عدم وجود الدعم المالى الكافى يجب البدء بالخدمات المهمة.
خامسا: يجب وجود استراتيجية محددة للتعامل مع المعلومات مثل ما الذى يجب تخزينه؟ من له الحق فى الاطلاع على المعلومات؟ متى سيتم محو تلك المعلومات التى أصبحت بلا قيمة أو فائدة؟ وقد تكلمنا فى مقال سابق عن تخزين المعلومات التى هى وقود هذا القرن.
أخيرا وأكيد ليس آخر، يجب التعامل مع العامل البشرى المقاوم للتغيير، سيكون هناك خوف طبيعى من الناس لكل ما هو جديد، هناك من سيخاف على فقدان وظيفته، هناك من لن يثق فى أجهزة الكمبيوتر، هناك من سيجد صعوبة فى تعلم الجديد، هذا كله طبيعى ويحتاج تكاتف علماء النفس والاجتماع والاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات للتعامل معه.
الرقمنة بدأت فى العالم كله منذ عدة سنوات وأصبحت قدرا محتوما لذلك يجب علينا التعامل معها بحيث نتجنب أخطارها ونجنى ثمارها، وهذا ليس سهلا لكنه ليس مستحيلا.