فى ضوء ازدياد النشاط العدائى لإيران، خاصة فى الأعوام القليلة السابقة، فى منطقة الشرق الأوسط عموما والبحر الأحمر خصوصا، وفى ظل اهتزاز مصداقية واشنطن فى تقديم ضمانات أمنية جادة لدول الخليج من أجل حمايتها من الهجمات الحوثية فى اليمن، مع إصرار طهران على إحياء الاتفاق النووى الذى أبرم فى عام 2015، تناول المعهد الدولى للدراسات الأمنية IISS المساعى الخليجية لمواجهة التهديدات الإيرانية، بدءا من إقامة تعاون أمنى مع دول الإقليم، مرورا بمحاولاتها تحديث أسطولها البحرى. تطرق المعهد أيضا إلى خيار الطاقة النووية فى دول الخليج العربى تمهيدا للتحول العالمى عن الكربون.. نعرض هذه الموضوعات فيما يلى.منذ التسعينيات إلى منتصف عام 2010، كان وجود إيران فى البحر الأحمر مصدر قلق أمنى رئيسى لكل من إسرائيل ودول الخليج العربى. وبفضل علاقات إيران مع الرئيس السودانى السابق عمر البشير استخدمت طهران الخرطوم كنقطة عبور للأسلحة التى يهربها فيلق القدس الإيرانى إلى حماس والجهاد الإسلامى فى غزة. كما استخدمت القواعد البحرية الإريترية فى دعم وتسليح المتمردين الحوثيين فى اليمن.
وكجزء من مساعيهما الإقليمية ضد التوسع الإيرانى، أقنعت السعودية والإمارات فى عام 2016 جيبوتى وإريتريا والصومال والسودان بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران مقابل الدعم المالى والسياسى. ويعد سقوط نظام البشير فى السودان عام 2019 نكسة لإيران، ونتيجة لذلك فقدت الكثير من نفوذها.
لكن فى الآونة الأخيرة، وطبقا للكاتب بنيامين بيلرينى والكاتبة كاميل لونز فى مقالهما، عادت طهران إلى المنطقة، ودعمت إثيوبيا فى حملتها ضد تمرد إقليم التيجراى. علاوة على ذلك، اجتمع وزيرا خارجية إيران وإريتريا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2022.
وفى العامين الماضيين، زاد الوجود الإيرانى فى المنطقة مما استتبع زيادة إسرائيل لأنشطتها الأمنية فى البحر الأحمر. وفى أبريل 2021، وقع هجوم على سفينة الشحن الإيرانية سافيز، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام أمريكية عملا انتقاميا من قبل إسرائيل على الضربات الإيرانية السابقة ضد سفنها. بعد ذلك، فى أوائل يوليو 2022، ادعى وزير الدفاع الإسرائيلى بينى جانتس أن إيران كانت «تؤسس نفسها بشكل منهجى فى المنطقة، البحر الأحمر، حيث تقوم سفنها بدوريات فى المنطقة الجنوبية».
بناءً على اتفاقيات أبراهام، سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز اندماج إسرائيل فى بنية الأمن الإقليمى. فى عام 2020، أقنعت واشنطن السودان بتطبيع العلاقات مع إسرائيل جزئيًا. وبعد انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود فى الصومال فى مايو 2022، كانت الولايات المتحدة تستكشف خيارات لتوسيع اتفاقيات أبراهام بدعم من الإمارات، التى تتمتع بعلاقة جيدة مع الرئيس الصومالى الجديد.
فى نوفمبر 2021، قادت واشنطن أول مناورة بحرية رباعية فى البحر الأحمر مع البحرين وإسرائيل والإمارات. بعد بضعة أشهر، شاركت إسرائيل فى مناورة بحرية كبيرة أخرى بقيادة الولايات المتحدة فى البحر الأحمر شملت الرياض والرباط. وفى مارس 2022، عقدت واشنطن اجتماعا سريا بين كبار المسئولين العسكريين من البحرين ومصر وإسرائيل والأردن وقطر والسعودية والإمارات فى شرم الشيخ لمناقشة التنسيق ضد قدرات إيران الصاروخية وطائراتها بدون طيار.
ومع ذلك، ستواجه استراتيجية الولايات المتحدة لإنشاء بنية أمنية فى البحر الأحمر تحديات جادة، فإلى جانب مخاوفهم المشتركة بشأن إيران ومصلحتهم المشتركة فى حرية الملاحة، فإن دول الخليج العربى وإسرائيل والولايات المتحدة لديهم مصالح متباينة فى البحر الأحمر والقرن الأفريقى. بكلمات أخرى، دول الخليج العربى وإسرائيل والولايات المتحدة لديها مستويات مختلفة من التسامح مع الاستفزازات الإيرانية فى المنطقة. فبينما تركز إسرائيل على وقف برنامج إيران النووى وأنشطتها الإقليمية، حتى لو كانت تخاطر بإشعال حرب إقليمية تهدد أمن دول الخليج، تعطى الولايات المتحدة الأولوية لاحتواء البرنامج النووى الإيرانى. فى حين دول الخليج معنية بالدرجة الأولى بنفوذ إيران الإقليمى وقدراتها الصاروخية والطائرات بدون طيار.
• • •
نتيجة الأسئلة التى أثيرت حول مصداقية الضمانات الأمنية التى تقدمها الولايات المتحدة لدول الخليج. استثمرت الأخيرة، ومنذ أوائل عام 2010، المزيد من الوقت والجهد والموارد فى بناء قدراتها الدفاعية، تضمنت التحديث البحرى والاستحواذ على سفن جديدة بارزة، كما عملت على تحسين الروح المعنوية وتشغيل السفن باهظة الثمن وتدريب البحارة على استخدام التقنيات المتقدمة.
وفى الفترة من 2014 إلى 2022، نما عدد الأصول البحرية لدول الخليج من 512 إلى 621. استحوذت الرياض والدوحة على معظم السفن، بينما استحوذت الكويت (لديها بالفعل ثمانى سفن جديدة للإنزال) والبحرين (لديها بالفعل 16 سفينة دورية جديدة) على أقل عدد. ويشير نمط عمليات الاستحواذ هذه إلى أن دول الخليج تسعى إلى تطوير قدرات بحرية واسعة لمواجهة التهديدات القادمة من إيران على وجه الخصوص.
ومع ذلك، وبالرغم من عمليات الاستحواذ هذه، يقول الكاتب كيفين ثيفون إنه لا تزال الرياض وأبوظبى تفتقران إلى القدرات البحرية لردع التهديدات الإيرانية غير المتكافئة أو الصاروخية. لذلك، بدون دعم الولايات المتحدة، ستشكل إيران تهديدًا كبيرًا لقوات البحرية فى دول الخليج.
أما الدوحة، فقد صرح قائد البحرية القطرية أن الدولة دخلت «المرحلة الرابعة» من التحديث بـ «قفزة نوعية»، عندما أبرمت عقدا مع أكبر شركة لبناء السفن فى أوروبا، شركة إيطالية Fincantieri، بقيمة 5.65 مليار دولار فى عام 2016. لكن هذه السفن الجديدة باهظة الثمن، ويصعب تشغيلها وتتطلب قوة بشرية كبيرة، والقوات المسلحة القطرية لديها 2500 بحار فقط. لهذا يبدو أن قطر تعمل فقط على زيادة طموحاتها البحرية بدافع اللحاق بالقدرات الإماراتية والسعودية. قد يُفسر هذا اهتمامها بالتباهى بسفنها الجديدة، وإبقائها مرئية عمدًا خاصة مع استضافتها كأس العالم لكرة القدم هذا الشهر.
بالنسبة لبحرية سلطنة عمان، فمنذ عام 2013، تم تحديثها من خلال الاستحواذ على ثلاثة طرادات تم بناؤها فى المملكة المتحدة. هدفها هو الحفاظ على موقفها المحايد فى المنطقة مع الحفاظ على قدرات كافية لدعم ممارسات مكافحة القرصنة وحماية البحار الإقليمية. البحرين والكويت، نتيجة الموارد المحدودة والوجود العسكرى الأمريكى الكبير فى أراضيهما، لم يتم تحديث أسطولهما البحرى بشكل كبير.
• • •
فى ظل إدراك دول الخليج أنها لا تستطيع الاعتماد على أسعار النفط المرتفعة على المدى الطويل وأنه يجب عليها إعداد أنظمتها السياسية والاقتصادية للتحول العالمى الوشيك بعيدًا عن مصادر الطاقة القائمة على الكربون، إلا أن فى جميع خطط تحول الطاقة التى حدثت فى الخليج فى السنوات الأخيرة، لم يحظ أحد الخيارات باهتمام كبير، وهو خيار الطاقة النوويةن رغم أنه مصدر الطاقة الوحيد منخفض الكربون القادر على دعم الاحتياجات الأساسية لدول الخليج.
قالت الكاتبة آمنة إبراهيم إنه على عكس تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التى تعتمد على الظروف الجوية المتغيرة، تعمل المحطات النووية بشكل مستمر. ودول الخليج ثرية من حيث نصيب الفرد، لذا فإن التكلفة العالية لبناء المحطات النووية لم تكن قيدًا كبيرًا أمام تطوير الطاقة النووية. وفى الواقع، فى أوائل عام 2010، نظرت جميع دول الخليج الست فى برامج الطاقة النووية، حيث أجرت أربع منها دراسات جدوى. أدرجت السعودية والإمارات بالفعل الطاقة النووية فى خطط التنويع الخاصة بهما، وستؤمن الأخيرة قريبًا 20٪ من احتياجاتها المحلية من محطة براكة للطاقة النووية، التى دخلت حيز التشغيل فى منتصف عام 2020. البحرين والكويت وعمان وقطر لم تفعل ذلك. ويرجع ذلك إلى التداعيات السياسية والأمنية لإنشاء برنامج للتكنولوجيا النووية لدعم توليد الطاقة وأيضًا إلى المخاوف المحلية بشأن السلامة.
قالت كل من الرياض وأبوظبى إن هدفهما هو أن تظلا رائدتين عالميتين فى مجال الطاقة طوال فترة الانتقال العالمى بعيدًا عن مصادر الطاقة القائمة على الكربون، وقد تعهدتا بالتنفيذ السريع لخطط تنويع الطاقة الطموح مع الاحتفاظ بمناصبهما كموردين للنفط العالميين. هما اختارتا مواجهة العديد من العقبات التنظيمية التى ينطوى عليها تطوير التكنولوجيا النووية كبديل للطاقة المحلية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنهما تريان نفسيهما أحد الأصول الاستراتيجية التى من شأنها أن تشير إلى دخولهما نادى البلدان المتقدمة.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلى:http://bit.ly/3F4pVRWhttp://bit.ly/3VrnGxwhttp://bit.ly/3VgrH8o